حسين عبد الرازق يكاد يكون هناك اتفاق بين الأحزاب والقوى السياسية والاقتصاديين ورجال الأعمال والعمال، على أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر في الوقت الحاضر تعود في جزء منها لثورة 25 يناير، وما صاحبها من تحديات أمنية وتراجع في الإنتاج وانخفاض في رؤوس أموال الاستثمار المباشر بنسبة 48% خلال الأشهر الستة الماضية، وانخفاض فرص العمل في الفترة نفسها بنسبة 38% وتراجع في الصادرات.. إلا أن جوهر الأزمة يعود لسنوات سابقة على ثورة 25 يناير،
نتيجة السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة في مصر منذ عام 1974 وبدء ما سمي بسياسة الانفتاح الاقتصادي والرضوخ لروشتة وتعليمات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية. وأي محاولة لعلاج الأزمة الاقتصادية الراهنة لابد من أن تتعامل مع أصل الأزمة ولا تقف عند حدود تصاعدها بعد 25 يناير 2011. وكما يرى عديد من رجال الاقتصاد والسياسة، فالأزمة تعود إلى اعتماد الاقتصاد المصري على مصادر نافذة وأخرى ترتبط بعوامل خارجية مثل عائدات البترول والغاز ودخل قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج، بينما يتراجع الدخل المتحصل من الإنتاج الزراعي والصناعي. فمع سياسة الانفتاح - السداح مداح - التي أعلنها الرئيس الأسبق أنور السادات في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وبلغت ذروتها في ظل حكم خلفه الرئيس السابق حسني مبارك، انسحبت الدولة من الاستثمار والمشاركة في عملية التنمية ومن توفير الخدمات الأساسية للمواطنين - وهو دور حاسم في تحقيق التنمية في الدول المتخلفة والنامية - وتم الرهان على إنجاز الرأسمالية المحلية والاستثمارات الأجنبية لعملية التنمية باستخدام آليات السوق الرأسمالي، وكانت النتيجة تراجع وتوقف التنمية، حيث ركزت الرأسمالية المحلية الضعيفة «القطاع الخاص» على تحقيق الربح السريع من خلال عمليات السمسرة والمضاربة والعمل كوكيل للرأسمال العالمي والتركيز على التجارة والخدمات. وبعد ثلاثة عقود من تطبيق هذه السياسة أصبح المجتمع المصري يستهلك أكثر مما ينتج، وحدث انخفاض في مستوي معيشة الطبقات الفقيرة والوسطى، وزادت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر ووصلت إلى حوالي 48% وارتفعت نسب التضخم، وانخفضت القيمة الحقيقية للأجور والدخول، وأصبح الفساد ظاهرة عامة تخترق المجتمع من القمة للقاع.وإذا توقف الجهد المبذول من المجموعة الاقتصادية في حكومة د. عصام شرف، وعلى رأسها اقتصادي لامع هو د. حازم الببلاوي، ومن بين أعضائها اقتصادي يساري نابه منحاز للتنمية الوطنية المستقلة وللفئات والطبقات المنتجة في المجتمع هو د. جودة عبدالخالق.. إذا توقف هذا الجهد عند حدود معالجة أبعاد الأزمة المترتبة على ثورة 25 يناير.. وهو جهد مطلوب وضروري.. فستظل كل جوانب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية قائمة، فإضافة للتصدي بسرعة لأبعاد الأزمة بعد 25 يناير، فهناك حتمية لأن تمد المجموعة الاقتصادية نظرها إلى الأبعاد الأصلية للمشكلة، وتخضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة منذ عام 1974 حتي الآن للبحث والدراسة والنقد والمراجعة، وتطرح سياسات بديلة تلعب الدولة فيها دورا رئيسيا ويتم تطبيقها خلال السنوات القادمة، وتدعو الأحزاب والقوى السياسية والنقابات ومراكز البحوث والجامعات لمناقشتها والتوافق بشأنها.
سياسة اقتصادية جديدة
نشر في: 3 أغسطس, 2011: 05:50 م