(3) إحسان شمران الياسري نواصل في هذه الأسطر ملاحظات ضرورية عن قصة العشائر وسلطتها ودورها في إضعاف سلطة الدولة، وأثر ذلك على أداء مؤسساتها. فببساطة، تستطيع اليوم عشيرة، أو أحد أبنائها، قطع طريق عام، أو منع مقاول من أداء عمله.. وتأخذ أخرى الأتاوة نقداً أو بفرض أبنائها للعمل لدى صاحب عمل في نطاق سلطتها.
وبلا رحمة، يتدخل مفاوضون أكفاء، لانتزاع تسهيلات وتنازلات، من صاحب حقٍ لصالح مجرم أو إرهابي أو مُغتصب.. وكل ذلك باسم العشائرية أو النخوة! أو الغيرة أو (جاه) السادة. ففي الفصل الجديد من تأريخ الدولة العراقية، تسود التقاليد العشائرية حتى في توزيع المسؤوليات الرسمية!!.. فكيف يتصدى أبناء الأمة الآخرون لواجباتهم في مثل هذا المناخ.. إذ يُطرح فيه القانون جانباً، وتنهض نواميس تُقيّده، وتحطّ من قدره أحياناً. والعشائر التي يحتمي البعض بقوتها المستمدة من قوة أصابعها الممتدة في الدولة والحكومة وأجهزتها، تؤسس اليوم لتمييع الدولة، وللتقويض المُنظّم لأُسسها.. فيعرضُ الناس عن القانون الوضعي الذي تحل محله الأعراف العشائرية. وثمة أمثلة لا تحصى على سلوك الحراك العشائري الذي غيّب الدولة وهيبتها وصار وسيلة بطش بالناس. وصار النزول عند حكم العشيرة والفصل العشائري أمراً مرعباً للناس والعائلة العراقية. فأنت واقف في الإشارة الضوئية، تأتي دراجة نارية مسرعة تدهس سيارتك. عليك أن تتكفل بمصاريف علاج صاحب الدراجة ثم تقوم بتقديم فروض الفصل العشائري وتدفع (25) مليون دينار، رغم أن سلطة المرور تجعل صاحب الدراجة هو المُقصّر. وليس هذا وحده، بل أنت مطالب بعودة المُصاب بين يوم وآخر، وإلا قد تُنقض (العطوة)! أو قد تكون سائرا بسيارتك في طريقك فوجدت صديقا وقد تعطّل إطار سيارته وليس لديه إطار إضافي. فتعطيه إطار سيارتك الاحتياطي.. وبالمصادفة تنقلب سيارة صاحبك. عليك أن تدفع الفصل لأهل صاحبك لأنك كنت (سبباً) وقد تكون في بيتك بأمان الله، فيعبر أحد اللصوص السياج الخارجي لغرض سرقة دارك، فتشعر بوجوده في حديقة دارك مُتلبساً بجريمة السرقة.. فتطلق النار عليه.. عليك أن تذهب للفصل! ويعرف البغداديون قصة اللص الذي حاول قطع سلك محرك مبردة الهواء بقصد سرقته، وتبين أن التيار الكهربائي موجود، فصُعق (اللص) ومات. لقد طالبت عشيرته بالفصل من صاحب الدار (المسروق).. وقد دفع صاغرا! ويعرف البعض بقصة أحدهم الذي كان جالسا مع جماعة وخرجت منه (ريح). وكيف فرضت عشيرته على الجالسين أن يدفعوا (فصل) له!كما يعرفون قصة الشاهد على موقف معين، واستدعته الشرطة للشهادة. فعندما شهد بما رأى، طالبته عشيرة المجرم بدفع فصل لأن احدهم أودع السجن!و(السبب) في الثقافة العشائرية واحد من أنماط تحدّي قدرة رب العالمين وقدره.. ولكن العشائر ترتضي هذا التحدّي وتتناسى أمر الله وتوقيت وقوعه. إننا أمام قصة عريضة نعيد للعشائر دورها الإيجابي في المجتمع ونمحو عنها سماتها المؤذية والسلبية.. و نضع أمام الحكومة حقائق الأدوار المأمولة من العشائر دون مبالغة أو تفخيم.. وبالأحرى، فإن العشائر مدعوة لتأصيل دور إيجابي في الحراك المجتمعي..
على هامش الصراحة:الدولة المدنية وسلطة العشيرة
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 3 أغسطس, 2011: 05:53 م