حسين علي الحمدانيقالوا إنها محاكمة القرن، ووصفها البعض بأنها جاءت نتيجة ضغط الشارع المصري على المجلس العسكري،وآخرون قالوا إنها رد قوي على أحاديث كانت تشير إلى هروب مبارك لخارج مصر،لكن مع كل هذا وجدنا ثمة مفاجأة من الوزن الثقيل أطلقها المحامي حامد سيد مكي بالتأكيد أن مبارك مات وأن الشخص الموجود في قفص الاتهام هو شبيه له، وهذا ما يعيد لنا الأقاويل الكثيرة التي كانت تتردد في العراق في وقبل محاكمة الدكتاتور صدام وأعوانه، لكن ما يختلف في هذا المشهد بأن مبارك وولديه كانوا أكثر احتراما للقضاء المصري بقولهم ( أفندم) بعكس صدام وأعوانه الذين ظلوا في كل الجلسات يحملون من المكابرة والغطرسة الشيء الكثير.
الجلسة الأولى رغم الفوضى التي سادتها إلا إنها شكلت مشهداً جديداً في مصر التي لم تألف بعد محاكمة رؤساء سابقين، ولعل القائمين على المحكمة أرادوها بهذه الصورة الشعبية من أجل إرضاء الشارع المصري الذي يجد في محاكمة محمد حسني مبارك نهاية لحقبة هذا النظام،خاصة وإن القصاص يمثل رغبة الشعب المصري . وبالتالي وجدنا ونحن نتابع هذه الجلسة بأن ثمة جرائم تكشف وحقائق تتضح،وضحايا ينتظرون العدالة أن تأخذ حقهم الذي سُلب منهم،تابعنا الجلسة الأولى لمحاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك عن تهم كثيرة أسندت له ولزبانيته منها: قتل المتظاهرين،هدر المال العام،تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار مخفضة وغيرها من التهم التي ستظهر في الجلسات القادمة للمحكمة.ومبارك لا يختلف كثيراً عن الزعماء العرب الذين تسيدوا عقوداً طويلة في الحكم واعتبروا كل ما موجود في البلد ملكاً لهم ولعوائلهم ، هذه هي فلسفتهم في السلطة،على اعتبار إن السلطة غنيمة عليهم أن يتقاسموها،نحن في العراق لم نستغرب لأننا عشنا واقعاً مريراً إبان حكم الطاغية المقبور صدام وجلاوزته الذين حاكمهم الشعب عن جرائم إبادة ارتكبوها بحق الشعب العراقي منذ يومهم الأول في الحكم وحتى سقوطهم المدوي في التاسع من نيسان عام 2003 ،وأستطاع شعبنا من أن يقتص منهم رغم الهجمة الإعلامية الشرسة التي تعرض لها العراق جراء هذه المحاكمات خاصة من الإعلام (القومي)، يضاف إلى ذلك حفنة من المحامين الذين انبروا للدفاع عن الطاغية المقبور، وفي مقدمتهم عائشة القذافي وعدد من محامي مصر الذين وجدوا في محاكمات صدام وأعوانه فرصة لهم للبروز الإعلامي ليس إلا، وأنا أتابع مشاهد محاكمة مبارك وأعوانه تكررت أمامي مشاهد كثيرة وصور شتى تعايشنا نحن العراقيين معها في السنوات الماضية ، أهمها بالتأكيد بأن نظام حسني مبارك هو أحد أبرز الأنظمة التي دعمت القوى الإرهابية في العراق وقد كشفت الكثير من الوثائق بعد سقوط هذا النظام دوره في زعزعة أمن واستقرار العراق عبر تعاطيه مع خلايا وتنظيمات إرهابية عاملة في العراق بالتعاون مع أجهزة مخابرات دول أخرى .نحن كنا ندرك بوعينا بأن الأنظمة الاستبدادية لا يمكن لها أن تقهر الشعوب وأن تظل جاثمة على مقدرات البلد،بل هي زائلة والتأريخ يحدثنا عن جبابرة طغاة إزالتهم شعوبهم لمزبلة التاريخ في مقدمتهم شاوسيسكو الروماني وهونيكر الألماني الشرقي إضافة إلى دكتاتوريات أمريكا اللاتينية في تشلي والأرجنتين ونالوا القصاص العادل .وأنا أستمع للتهم الموجهة للنظام السابق في مصر وجدت بأن الأنظمة الدكتاتورية تتشابه في كل شيء،وفي طريقة تعاملها مع الشعب أو في استحواذها على السلطة والمال أو حتى في إدارتها للدولة وفق منظور بوليسي مخابراتي حيناً وعائلياً بحت حيناً آخر، وهذه الطريقة تبتعد كثيراً عن مفهوم المواطنة والحقوق والواجبات،وبالتالي فإن نهايات هذه الأنظمة هي الأخرى تتشابه وستقف جميع رموزها ذات يوم في قفص الاتهام وتحاكمها الشعوب عن جرائمها التي ارتكبتها في عقود حكمها ،ولعل أكبر جريمة ارتكبتها هذه الأنظمة هي استمرارها بالسلطة دون وجه شرعي وتمسكها بها ،بل وصل الحد لقمع الشعب من أجل البقاء في الكرسي على غرار ما حصل في قمع الانتفاضة الشعبية في الشمال والجنوب من قبل المقبور صدام وجلاوزته في عام 1991، وما حصل من نظام مبارك وبلطجيته، وما يدور الآن في ليبيا وسوريا. إن هذه الأنظمة القمعية لم تقرأ التاريخ جيداً ولم تتعض من الدروس السابقة لأنها أنظمة لا ترى سوى مصالحها فقط ولا أدري لماذا تذكرت كلمة المجنون القذافي في قمة دمشق العربية حين قال تعليقاً على إعدام صدام بأن كل الزعماء العرب سيشنقون وإن صدام البداية ، لم تكن هذه نبوءة من القذافي بقدر ما هي صراحة مجرم يدرك جيداً بأن نهاية الطغاة متشابهة في كل شيء باستثناء التوقيت، فلكل طاغية يوم حساب . هذه المحاكمات تمثل في ما تمثله رسائل للحكام حتى أولئك الذين حملتهم صناديق الاقتراع بأن يتعاملوا مع الناس على أساس المواطنة أولاً وأن يكفوا أيدي أعوانهم ومقربيهم وعوائلهم عن مصادرة حقوق الآخرين وأن لا يعتبروا البلد مزرعة خاصة بهم.
دروس وعبر من محاكمة مبارك
نشر في: 5 أغسطس, 2011: 05:22 م