TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عين:عيد المدى

عين:عيد المدى

نشر في: 5 أغسطس, 2011: 09:19 م

 عبد الخالق كيطان في بلاد مثل بلادنا أدمنت الصحافة فيها أن تكون حلقة من حلقات الهرم الحكومي، وأدمن الصحفيون والكتاب فيها أن يكونوا جزءاً من تلك الحلقة، لأن الذي يرفض ذلك سيجد نفسه بلا عمل، ينبثق مشروع جريدة المدى بوصفها جريدة غير ملزمة بأن تكون جزءاً من آلة الحكومة، وهو أمر يتطلب الكثير، وابرز ما يتطلب الاستقلالية.
وبالفعل فإن المدى، الجريدة، تكاد تكون الوحيدة في العراق التي تصدر بمال غير حكومي ويقوم على تحريرها من الألف إلى الياء صحفيون وكتاب غير مرتبطين بالحكومة، وغير خاضعين، بالنتيجة، لاشتراطاتها. ستكون المغامرة صعبة، ولكنها مفعمة بالحرية.بدأت الكتابة في جريدة المدى بعيد تأسيسها مباشرة، وكنت أكتب لها من مقر إقامتي خارج العراق قبل أن أنتقل إليه. شجعني على ذلك ما تقدم، خاصة بعد أن اطلعت على الصحف العراقية الموجودة على شبكة الانترنت، وملاحظتي أن المدى استقطبت منذ بداياتها نخبة كبيرة من الكتاب والصحفيين العراقيين البارزين في المشهد، وكذلك خطابها الليبرالي في ظل موجة صحافة حزبية. لقد كانت المدى نموذجاً أقرب إليّ من غيرها، ولم أتردد في مراسلتها فوراً لتكون الجريدة التي نشرت فيها أغلب ما كتبت بعد تغيير النظام في المجالين الثقافي والسياسي. بل إن الجريدة نشرت على حلقات كتابي المعنون "شارع دجلة – أوراق من سيرة مبكرة"، الكتاب الذي أتناول فيه، من وجهة نظر شخصية، مشاهداتي أيام انتفاضة آذار 1991 في مدينة العمارة. والحق أقول إن المشاريع الخاصة في الصحافة العراقية نادرة في هذا الزمن الملتبس. حيث يسعى السياسي، ويتبعه صاحب المال، إلى تحشيد وسائل الإعلام كلها خلفه، وهو يستطيع عمل ذلك بيسر لسببين: لأننا غير مدربين بشكل كامل وأكيد على صحافة حرة، ولأن الكوادر البشرية التي تعمل في القطاع الإعلامي بحاجة دائماً لأن تعيش وتعمل ولذا فهي لا تملك البديل. والمدى ليست جريدة فقط، كما تعلمون، إنها مشروع ثقافي وإعلامي متعدد الوجوه والمنابر، ولقد عملت، على سبيل المثال، في مشروع بيت المدى للثقافة والفنون في بداية تأسيسه، هذا المشروع الرائد في العراق، والذي أتمنى له الاستمرار. كنت أقول إن المدى، بمنابرها المختلفة استطاعت أن تقترب كثيراً من النخب المثقفة في العراق بالإضافة إلى الجمهور العام. لقد نظمت المؤسسة فعاليات كثيرة واستقطبت أسماء بارزة ودخلت بقوة إلى واقع العمل المجتمعي ونظمت مبادرات شعبية لافتة. كما أن دار النشر فيها أسهمت ولا تزال في إغناء مكتباتنا الشخصية والعامة، وما إلى ذلك من فعاليات قدمت المؤسسة إلى الناس بوصفها منبراً للأفكار الحرة والليبرالية، الأمر الذي جعلها في مرمى استهداف متواصل من قبل تيارات مختلفة في العراق، أغلبها ظلامي وأكثرها متخلف وجزء لا يستهان به منها حكومي.وفي ذكرى تأسيس المدى أتساءل بصدق: ترى كيف سيكون عليه الحال لو أن الإعلام العراقي لم يحظ بمؤسسة مثل مؤسسة المدى أو جريدة مثل جريدتنا؟ أنا أدرك أن هنالك عيوناً تقرأ كلامي هذا وتفسره غير الوجهة التي أقصد، وهؤلاء يدمنون الفشل، وأنا لا أعنيهم، ما أعنيه هو أن هذه البلاد ونخبها الثقافية والإعلامية لقادرة بالفعل على خلق مشاريع جديدة كلياً في مشهدنا. مشاريع تودع التبعية المقيتة للسلطة التي عرفناها منذ انهيار النظام الملكي وإلى اليوم، وهي مشاريع تعيد بالضرورة إلى الإعلام العراقي مكانته بوصفه سلطة، كما يقال عنه. في هذا اليوم، العيد، أستذكر شهداء الصحافة العراقية بإجلال. واستذكر الذين عملوا في المدى باحترام. أقدم باقات الورود لقرائها، وألتمس منهم العذر إن كنت شخصياً قد تسببت لهم بأي أذى أو خيبة أمل. كل عام وأنتم بخير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram