عبدالجواد سيد عبدالجواد لاشك في أن يوم 25 يناير سوف يظل يوما مميزا في التاريخ المصري الطويل حيث شهد ذلك اليوم بداية انطلاق الشرارة نحو تشكيل المرحلة الثالثة من تاريخ الثورة المصرية الحديثة وأقصد بالمرحلة الثالثة الإشارة إلى المرحلتين السابقتين أي ثورة 1919م وثورة يوليو 1952م
والتي يمكن اعتبار ثورة يناير المرحلة الثالثة المكملة لهما - بالطبع هذا في حالة تمكن هذه الأخيرة من الانتقال بالمجتمع المصري إلى تحقيق الديمقراطية والمجتمع المدني كما نأمل ونرجو.ولعل في هذا الطرح نفسه تكمن الإجابة عن الشق الأول من السؤال أهي ثورة أم انتفاضة ،إذ هي بالطبع انتفاضة أدت إلى إسقاط نظام يوليو ولكنها لم تحقق النظام الجديد البديل بعد وكذلك الإجابة عن الشق الثاني من السؤال الخاص بتحديد طبيعة علاقتها بثورة يوليو، إذ تعتبر المرحلة الثالثة المكملة لكفاح الشعب المصري في سبيل الحرية والعدالة والاجتماعية على أساس أنها جاءت ردا على قصور ثورة يوليو في تحقيق تلك الأماني الوطنية وقيامه- بناء على ذلك- بإسقاط نظام يوليو ممثلا في شخص حسني مبارك وعهده.كما هو معروف فان طبيعة الثورات هي أنها تهدم وتبني وحيث إن ثورة يناير قد جاءت كاستجابة طبيعية وتلقائية لحالة الاحتقان والإحباط السياسي والاقتصادي الذي أصاب المجتمع المصري نتيجة ممارسات نظام حسني مبارك وأسرته والتأثيرات السلبية التي أدت إلى ذلك خاصة على الجانب الاقتصادي فقد جاءت انتفاضة يناير كرد فعل غاضب من أجل إسقاط نظام فاسد دون أن يكون المجتمع المصري في الواقع قد بلور طروحات فكرية ونظرية في سبيل إقامة مجتمع بديل على أنقاض النظام السابق، ولذا فان هذه الانتفاضة وفي أحسن حالات التقدير لايمكن اعتبارها أكثر من مجرد بداية للثورة أو شرارة للثورة على أساس أن المجتمع المصري قد بدأ الآن فقط وبعد مرور حوالي ستة أشهر على انتفاضته الغاضبة يحاول الوصول إلى العناصر الفكرية والسياسية المحددة لملامح المستقبل ويتمثل ذلك في بعض الطروحات الأخيرة التي بدأت تنادي بوضع دستور (مدني) أولا وتأجيل الانتخابات لحين استعداد الشعب لها وفي الطرح المضاد الذي يطالب بسرعة إجراء الانتخابات على أن يتم وضع دستور(إسلامي) لها في ما بعد، مما يعني أن الصراعين السياسي والاجتماعي بين التيارين الديني والمدني العلماني من أجل تحديد ملامح المستقبل قد بدأ بالفعل منتقلا بالمجتمع المصري من حالة الانتفاضة (حالة الهدم) إلي حالة الثورة الفعلية ( حالة البناء). تحوّل الانتفاضة إلى ثورةأما عن إمكانية تحول الانتفاضة إلى ثورة من أجل الديمقراطية وتأسيس الدولة المدنية مع تقييم مساحة تيار الإسلام السياسي في الحياة السياسية المصرية وإمكانية التصدي له. لاشك أنه من الصعب هنا أن نفصل بين الأمنية والتحليل الموضوعي، فعلى مستوي الأمنية فنحن جميعا نرى أن مصر في طريقها إلى تحقيق الديمقراطية وتأسيس الدولة المدنية بالفعل ،أما على مستوى التحليل الموضوعي فهناك عناصر كثيرة معقدة ومتداخلة وهي ما سنحاول مناقشته هنا.بالنظر إلى الخريطة السياسية للمجتمع المصري يمكن تحديد ثلاثة مراكز قوى رئيسية هي: 1-الجيش 2-والتيار الديني3-والتيار العلماني بمختلف اتجاهاته السياسية (الليبرالية واليسارية والقومية)، وذلك مقابل كتلة صامتة عريضة من المجتمع المصري يتصارع عليها الجميع ولا تشمل هذه الكتلة غير المتعلمين أو أنصاف المتعلمين فقط ولكنها تشمل أيضا الكثير من المتعلمين وخريجي الجامعات ممن لم يحددوا مواقفهم السياسية بعد أو ممن لا يهتمون بالأمور السياسية بشكل عام حتي إذا كانت تخصهم بشكل مباشر وذلك بالإضافة إلى الجماعة القبطية.فإذا تصورنا أن الجيش قد قرر فعلا - وعلى المدى البعيد أو بعد الفترة الانتقالية - ترك شؤون الحكم للمدنيين بعد فشل تجربته في إدارة البلاد منذ 1952م وحتى اليوم فسوف ينحصر الصراع على كسب الكتلة الصامتة العريضة والجماعة القبطية إلى جانبه بين التيار الديني والتيار العلماني فما فرص كل منهما في الفوز والتحول بمصر المستقبل باتجاه الدولة الدينية في حالة فوز الأول أو إلى الدولة المدنية الديمقراطية في حالة فوز الثاني؟أولا بالنسبة للتيار الديني يمكن تحديد عقبتين رئيسيتين تواجه التيار الديني في هذا الصدد أولهما هي بالتأكيد رفض الجماعة القبطية لتوجهاته نحو إنشاء دولة إسلامية تجعل منهم مواطني درجة ثانية مما يهدد وحدة البلاد الداخلية ويجعلها عرضة لخطر التقسيم علي غرار النموذج السوداني ،وثانيها هي صعوبة - وربما استحالة - إنشاء وإدارة دولة عصرية يأتي معظم دخلها القومي من صناعة السياحة ومن الاستثمارات الأجنبية ،وتتطلع إلي أخذ مكان لها بين دول العالم المتقدم وذلك في ظل المبادئ والثقافة الإسلامية المحافظة شديدة العداء لثقافة العالم المتقد م الذي يتكون في معظمه - أو كله تقريبا - من دول غير إسلامية. أما بالنسبة لنقاط القوة فيمكن تحديدها إجمالا في أنه - ولأسباب ثقافية تماما وليست سياسية على الإطلاق - الأقدر على اختراق الكتلة الصامتة المصرية وكسب تأييدها في أي انتخابات قريبة.هذا عن التيار الديني أما بالنسبة للتيارالعلماني وبرغم ضعف موقفه فانه يمكن أن نلاحظ بسهولة أن كل نقاط ضعف التيار ا
ثورة يناير بين حلم الدولة المدنية وخطر التيار الديني
نشر في: 6 أغسطس, 2011: 05:41 م