اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > كـلــمــات ثـلـجـيــة "بـحـصــانٍ مـمـلـكـتــي"

كـلــمــات ثـلـجـيــة "بـحـصــانٍ مـمـلـكـتــي"

نشر في: 6 أغسطس, 2011: 06:38 م

(أصبحت الكلمة الطيبة الآن تبكيني) الفنان المبدع نوري الراوي في مقابلة تلفزيونية صلاح نيازي  "لا ريب، ثمّة كلمات تحرق القلوب،     لا ريب، ثمة كلمات تحرّك الآمال،   أو، لا ريب، تجعل مستقبلنا مضيئاً"
لكنْ مع ذلك، ثمة كلمات باردة، كلمات ثلجية، لها مفعول الكلمات النارية، في تغيير مصير البشرية. الشعراء، إنْ هم تكلّموا ثلجاً أمْ ناراً، ما هم إلاّ شعراء مجرّدون من أيّ انتماء. ليس في صناعتهم إدارة الدفّة، أو الوعظ. طبيعة الشعر بالذات، تتناقض بالكامل مع فكرة اليقينيات، ولا سيّما اليقينيات التي تشغل السياسيين والكهنة. العالم الذي يصوره الشعراء، مملكة خاصة جدّاً لا يمكن العثور عليها في أية خريطة. بالإضافة إلى ذلك فإن الشعر لا يتمرحل وهذا سرّ خلوده.قصيدة الخريف لجون كيتس John Keats  مَثَلٌ معتبر. لا وجود لهذا الخريف في أية روزنامة. مع ذلك حينما نقرأ هذه القصيدة نشعر بخريفيتها في كل حجيرة. تمكّن الشاعر من رسم صورة ناشطة للخريف، وألوانه الذابلة بحيوية، حين وظّف عنصريْن بإتقان: "الضباب" و"النضج اليانع للثمر"الضباب جعله الشاعر وسيلة لتكثيف المشهد وصعوبة التمييز أوّلاً وفي الوقت نفسه إخفاء الواقع. الضباب بمثابة ستارة يهيّئ لخلق الوهم الذي هو جوهر هذه القصيدة."النضج اليانع للثمر" وقد يكون حقيقياً، وهْم بالغ الخطورة. وظّفه الشاعر في هذه القصيدة كشرك Lure. الفواكه الممتلئة بالصفرة اللينة الناضجة والدبق المتقطّر أوهمت النحل بأن الصيف  ما يزال منتشراً وأن الخريف لم يحِنْ بعدُ. انشغل النحل برشف الرحيق ببراءة ولم يفطن إلى انّ الصيف لم يكنْ إلاّ خريفاً، وأن الشتاء سينزل بكل قُشَعْريراته.هكذا أثار كيتس فضول القارئ، بالتحام البراءة والوهم. كيف ستكون العاقبة؟ في اللحظات الحرجة بين الوهم والتحرر من الوهم تُنطَق عادة الكلمات الثلجية. قصيرة. لاهثة. يائسة بائسة، وقاطعة كالبديهيات. إنها تؤذن بنهايات الأمور ولا تسمح لبدايات جديدة.كذلك كانت الصرخة الثلجية الهلعة التي نفثها ريتشارد الثالث"حصان، حصان، بحصانٍ مملكتي".مرة أخرى زينت  الساحرات  الثلاث لمكبث أنه سيكون ملكا. ً صببن في أذنه كلمات ثلجية سرعان ما اشتعلت في رأسه جحيماً ذا جمروطيش وقتل.هل شيكسبير شاعر النفحات الثلجية طرّاً؟ بعد ذلك هذا كلكامش،  الكتلة العضلية الخارقة، ثلثاه مادّة إلهية وثلث مادة بشرية. لم يشعر بضعفه الهائل إلاّ بعد أن مات صديقة المفتول أنكيدو. تصوّر كلكامش أن الموت عائث به هو لا محالة. خرج من جلده. هام.  هام على وجهه. في جهات الأرض. أين الخلود؟قام بأشقّ رحلة. وحيداً. لبس جلود الوحوش. أهمل شعره. لا بدّ من أتونفشتم (نوح). في الطريق إلى نوح عثر كلكامش  على حانة على حافة البحر في الجهة الثانية من الجبل، تديرها سيدوري. خافت منه أوّلاً وأنكرت عليه بشريته، ،فأغلقت بوجهه باب الحانة. لا بدّ من أنّ روادها البحارة كانوا من شتى أنحاء العالم. لا بدّ من أنها استمعت إلى أغرب الحكايات بلغات مختلفة. لا بدّ من أنها أصبحت حكيمة. حاولت أن تثني كلكامش عن رحلته، وكلكامش لا يصغي لأنه ممتلئ بالموت. قالت له كلماتها الثلجية التي لا تمتلكها إلاّ الآلهة التي بلغت درجة الحكمة:  يا كلكامش، إن الحياة التي تنشدها لن تعثر عليها أبداً.حينما خلقت الآلهة الإنسان، جعلت الموت من نصيبهوأبقت لنفسها الخلوديا كلكامش أشبع بطنككنْ سعيداً ليلاً ونهاراارقصْ وامرحْ ليلاً ونهاراًتحمّمْ وادهنْ نفسكأحب الطفل الذي يُمسك بيدكوأفرح الزوجةهذا هو نصيب الإنسان".(عن ترجمة ألكساندر هايدل)لم ينتصحْ كلكامش.عبر "نهر الموت" إلى نوح.  رآه حطاماً حيّاً مستلقياً على ظهره. سيعطيه سرّ الخلود إنْ هو اجتاز امتحاناً يسيراً: ألاّ ينام لسبع ليال. نام كلكامش من أوّل لحظة، ولم يستيقظ إلا بعد سبع ليال.قال له أتونفشتم (نوح):"من قديم الزمان ما من ديمومة لشيءكم يتشابه النائم والميت ألا يرسمان كلاهما صورة الموتومَنْ يدري أيَّهما كان الخادم أوالسيدحين يقع أجلهما"(عن ترجمة ألكساندر هايدل) قال له ذلك وهو حطام حي مستلقٍ على ظهره. استغرب كلكامش من صورة الخلود هذه. خلود ميت - حي كالمومياء. ربما نفر من حياة بلا حراك . لا تنمو ولا تتجدد ولا تقلق.طلب اتونفشتم من ملاّحه ألاّ يعود بعد الآن وهكذا قطع الصلة بالبشرية نهائياً، كما طلب منه أن يغسل شعر كلكامش. ينزع عنه جلود الحيوانات ويحمّمه إلى أن يصبح نظيفاً كالثلج، ويستر عريه بملابس جديدة.الثلج = الموت.البياض = الكفن.هل كان أتونفشتم يتنبأ بموت كلكامش؟كانت أوفيليا تغني في الفصل الرابع من مسرحية هاملت:"لقد مات وذهب يا سيدتي،لقد مات وذهب،عند رأسه حشيش أخضروعند قدميه شاهدة قبرآه يا ويلي".فتقول لها الملكة :"لا يا أوفيليا"، فتتوسل إليها أوفيليا أن تسمع: (تغنّي): "كفنه أبيض مثل الثلج الجبلي". ما من باحث يعرف على وجه الدقة هل كانت أو

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram