حازم مبيضينأخيراً نجح السياسيون الأتراك في كف يد المؤسسة العسكرية عن التدخل في الشؤون المدنية ودفعوهم للعودة إلى ثكناتهم حيث موقعهم الصحيح, وبذلك عززت القيادة المدنية من خلال تعيينها أربعة قادة عسكريين وبشكل حاسم سيطرتها على قواتها المسلحة، وعكست التعيينات الجديدة الإصرار المتزايد لحكومة أردوغان في صراعها مع المؤسسة العسكرية التي أدارت ثلاثة انقلابات منذ عام 1960 , وإذا كان القادة الجدد يشبهون أسلافهم في الخلفية والخبرة، فان صمودهم بهذه الطريقة هو بداية حقبة جديدة من الهيمنة المدنية على البلاد, وكان هذا مطلباً رئيساً لعضوية تركيا في الاتحاد الاوروبي الذي تسعى تركيا للانضمام إليه منذ فترة ليست قصيرة وتبذل في سبيل ذلك الكثير من الجهد والتغييرات الجوهرية في القوانين والأنظمة.
يرى البعض أن الجيش خضع أخيراً ولو مع إحساس بالهزيمة إلى التطورات الأخيرة, على أنها ستسحب من المؤسسة العسكرية دورها في صد ما يقولون إنه جهود يبذلها أردوغان لتقويض المبادئ العلمانية التي وضعها أتاتورك عند تأسيسه تركيا الحديثة, بعد سقوط الخلافة العثمانية, ويتجاهل هؤلاء أن الشعب التركي يتطلع إلى دستور جديد خال من مواد تضمن للجيش حقوقاً فوق الدستور كما هو الحال عليه اليوم, ونشير هنا إلى بنود تعطي الجيش دور حماية الدستور الذي تدخل العسكر في صياغته معطياً البرلمان حق تعديله وإذا لاحظنا قدرة العسكر على التدخل في الانتخابات فان بإمكاننا معرفة قدرتهم على تعديل الدستور بالطريقة المناسبة لطموحاتهم, لكن الواضح اليوم " إن لم تقع مفاجآت " أن ذلك انتهى, وأن الفصل سيكون واضحاً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.كيف نجح أردوغان في ما عجز عنه الآخرون؟ يذهب كثيرون في الإجابة على هذا السؤال للحديث عن صدقية الرجل وعدله وخاصة بين الأقليات حتى أنه سمح للأكراد أن ينشئوا قناة تلفزيونية خاصة بهم، وأن يستعملوا لغتهم الكردية في مدارس لهم، ويشيرون أيضًا أنه يتقاضى مايكفي عيشه وكذلك وزراؤه، وهذا كله خلق حالة شعبية منحته تأييداً لخطواته, وشجعته على المضي قدماً في إصلاحات يرى أنها ضرورية وجوهرية لمستقبل بلاده. وهو في هذه المجالات ركز سياساته على التعليم والتنمية الاجتماعية ومساهمة رجال الأعمال في هذا المجال, بنفس قدر تركيزها على الجانب الاقتصادي والتنمية الاقتصادية.يخشى البعض أن يكون أردوغان إسلاميا متطرفاً, غير أنه مضطر لإظهار الاعتدال بسبب المواجهة الداخلية مع العسكر, ورغبته في إرضاء الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لأن تكون تركيا عضواً فيه, وكذلك الولايات المتحدة حيث أن تركيا ما تزال عضواً في الناتو, وهو أيضاً يسعى لدور بارز في محيطه العربي ابتداءً من موقفه تجاه ما يجري في سوريا وإقامته مخيمات ومؤتمرات للمعارضين لنظام بشار الأسد والهجوم على ذلك النظام بعد أن أقام علاقات قوية معه قبل الأحداث, فألغيت التأشيرات وعقدت اتفاقيات اقتصادية ومائية، كذلك فإن الدور التركي واضح في الحرب على ليبيا والانقسام الداخلي فيها, وقد تبدل هذا الموقف وتأثر بالتطورات وليس بالمبادئ السياسية, وعلينا أن نتذكر دائماً أن أردوغان وبعد فوز حزبه في الانتخابات أهدى فوزه الى فلسطين وحيا شعبها وطالب برفع الحصار عن غزة وأشار الى احتمال زيارته لها، مما زاد شعبيته بين الفلسطينيين والإسلاميين بصورة خاصة, ودعا بعضهم إلى إعادة إحياء الخلافة العثمانية بزعامة تركيا.نجح أردوغان حتى اليوم في تنفيذ سياساته, وفي إجراء التغييرات التي يراها ضرورية ومن أبرزها تحجيم دور العسكر, لكن سيظل هناك نار تحت الرماد , وليس واضحاً بعد إن كان سيمنع تأججها على يد عسكريين من غير الذين اختارهم لقيادة الجيش الذي فقد دوره كحام للعلمانية, كما أنه ليس واضحاً بعد إن كان حزب العدالة والتنمية سيتخلى عن الطربوش والقبعة ليعود إلى العمامة ينثرها فوق رؤوس الأتراك.
في الحدث: العسكر الأتراك.. إلى الخلف در
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 6 أغسطس, 2011: 08:50 م