ميعاد الطائيمن خلال محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ووضعه في قفص الاتهام يحاول المجلس الأعلى للقوات المسلحة ( المجلس العسكري ) في مصر إعادة ترميم علاقته مع شباب الثورة والتي كانت قد تعرضت للتوتر والتصعيد بعد الاتهامات المتبادلة بين الطرفين حيث اتهم المجلس العسكري شباب 6 ابريل بتلقي التمويل الخارجي بينما اتهم الشباب المجلس العسكري بالتسويف وعرقلة المحاكمة بسبب ان الرئيس هو احد رموز القوات المسلحة في البلاد . فخرج الشباب في تظاهرات ومسيرات من ساحة التحرير الى وزارة الدفاع وتعرضوا للاعتداءات من قبل جهات مجهولة وهم يطالبون بمحاكمة الرئيس السابق
ولكن ما حدث ان حسني مبارك وأبناءه مثلوا أمام المحكمة ليبدد المجلس الشكوك التي ساورت البعض في إمكانية محاكمة الرئيس ليكون اول رئيس مصري يمثل أمام القضاء بتهم القتل والفساد المالي وثالث رئيس عربي يحاكمه شعبه بعد صدام وبن علي .رحبت معظم الصحف العربية والغربية والجهات الرسمية بهذه المحاكمة وأشارت الى عدالة ومهنية القضاء المصري ولم تنسى الإشادة بالنصر الشعبي في إسقاط النظام ومحاسبته على جرائمه معتبرة ان هذا يعد أول ثمار الربيع العربي وعبرة للحكام الذين يرتكبون الجرائم بحق شعوبهم المغلوبة على أمرها .مما لاشك فيه إننا نتشارك الرأي مع هذه التصريحات والآراء الا إننا نتساءل هنا لماذا اختلفت هذه الآراء في التعامل مع محاكمة طاغية العراق حينها بالرغم من البون الشاسع بين جرائم النظام البعثي وبين التهم التي تم توجيهها لنظام مبارك . حيث يحاكم مبارك لقتله متظاهرين بالعشرات وهي تهم لم تثبت للقضاء بعد بينما اثبت القضاء العراقي بالأدلة والشهود بان صدام كان المسؤول عن قتل الملايين من العراقيين عبر الحروب العبثية واستخدام الغازات الكيميائية ودفن الأبرياء في المقابر الجماعية وغزو دول مجاورة وحرق البساتين والحقول وهدم المنازل ومصادرة الأموال وجرائم كثيرة أخرى تقف جرائم مبارك أمامها خجولة ويبدو فيها وجه الرئيس المصري ابيضا مقابل وجه المجرم صدام الأسود .وبالرغم من كل ذلك وقف الإعلام العربي ضد محاكمة صدام ووصفها بغير الشرعية بحجة وجود الاحتلال بالرغم من ثقة الجميع بان المحاكمة تمت عبر القضاء العراقي المستقل والمهني وتم عرض جلسات المحاكمة بكل شفافية على الهواء ليراها الجميع وكانت حقا اول محاكمة لرئيس عربي دكتاتور ارتكب جرائم ضد الإنسانية ومثل أمام القضاء واستحق عقابه العادل كما يحدث اليوم لمبارك ونجليه مع اختلاف آليات السقوط حيث سقط الأول بعد مغامرته الجنونية بمحاربة القوات الأمريكية التي جلبها إلى العراق من خلال ممارسته الطائشة باحتلال الكويت وتحدي المجتمع الدولي بينما سقط الثاني بفعل ثورة شعبية جعلته امام خيار التنحي عن الحكم بعيدا عن خيارات الهروب خارج البلد او التمسك بالمنصب في محاولة تحسب له في حقن الدماء وإبعاد شبح الحرب الأهلية عن البلاد بينما نلاحظ قادة آخرين يتمسكون بالحكم على حساب آلاف القتلى والجرحى دون التفكير بالتنحي أو منح اي فرصة للتفاوض مع الثوار .نريد أن نوضح نقطة مهمة هنا وهي ان الإعلام العربي تعامل مع محاكمة صدام من خلال نظرة طائفية وفئوية ولم ينظر لها بنفس الموضوعية التي ينظر بها اليوم للمحكمة المصرية الأمر الذي جعله يحول المجرم الأكبر الى بريء وشهيد العروبة ويستهتر بمشاعر الضحايا من أبناء العراق . هذا من جانب ومن جانب آخر لقد جانب الإعلام العربي الحقيقة عندما وصف محاكمة مبارك بأنها أول محاكمة لحاكم عربي على يد القضاء وأعطى صفة الريادة للقضاء المصري , لأنه يظلم بذلك القضاء العراقي باعتباره أول قضاء عربي مستقل تمكن من محاكمة أزلام النظام ومحاسبتهم على جرائمهم وتنفيذ حكم الشعب بحقهم .لذلك نقول بان على الإعلام ان لا ينظر الى الأمور من زاوية ضيقة وان يكون مهنيا ونزيها لأنه مسئول عن صناعة الرأي العام وعن تنوير الإنسان العربي لذلك عليه ان يكون صادقا وان ينظر بموضوعية ومن زاوية واحدة لجميع الأحداث في الساحة العربية.
القضاء العربي.. من محاكمة صدام إلى محاكمة مبارك
نشر في: 7 أغسطس, 2011: 06:47 م