محمد عبد الأمير عبد منذ عقود طويلة نسمع بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وكل من يسافر لخارج بلاد العرب وبالتحديد أوربا يعود حاملاً إلينا حكايات عن الحكام هناك،عن انتخابهم، طريقة حكمهم،والأهم من هذا وذاك بأن جميع العرب الذين سافروا لأوربا حملوا معهم حقيقة مهمة جداً تتمثل بأن لا ظلم في تلك البلدان الغربية حتى إن البعض منهم بالغ في الوصف وأقسم أغلظ الإيمان بأن المحاكم تكاد تكون خالية من المراجعين في هذه البلدان التي بقينا نحلم بأن نصل لما وصلت إليه ، واكتشفنا بمرور الزمن بأن الحكام العرب وحدهم من يمارسون الظلم مع الشعب لأدنى سبب.
حتى باتت العقلية الحاكمة في جميع الدول العربية تتبع سياسة اظلم ثم اظلم حتى تستعبد الناس، وبات الظلم أحد أهم ركائز الحكم إن لم يكن أقوى هذه الركائز،ويمكننا أن نؤكد أن الحاكم لدينا يمارس الظلم لأسباب كثيرة لكن أهمها هو تصدير لظلم مُتَقبَّل أو مَقبُول، أي أن الظالم غالبا يكون كذلك لأنّه يخرج أو يصدّر أو بالأحرى يتخلص من شحنة الظلم التي مورست عليه في فترة من فترات حياته، خاصة وإن أكثر من نصف الحكام العرب من الطبقة العسكرية التي عادة ما تبدأ حياتهم بمجموعة صارمة من الأنظمة والقوانين،أما القسم الثاني من الحكام فهم قبائل ومشايخ ينطبق عليهم ما ينطبق على العسكر،وبالتالي فإن من حكم الوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين لم يكونوا نخباً سياسية متمرسة بقدر ما وجدوا أنفسهم في الحكم عبر مغامرة عسكرية أو وراثة تأتيهم ، وبالتالي افتقدوا أدنى متطلبات إدارة الدولة وفق مبدأ العدل والمساواة،لأنهم عاشوا في بيئات تفتقد أصلاً العدالة وبالتالي فإنهم نقلوا ما ترسخ في ذاكرتهم وطوروه من أجل البقاء أطول فترة ممكنة في الحكم، وهذا أحد أهم الأسباب التي تجعل من الحاكم العربي يمكث طويلاً في سدة الحكم.لكن الأخطر من هذا هو أن يتحول الظلم لنهج ثابت في التعامل مع كل شيء ،فالحاكم العربي ووفق هذا السياق ينفي الشريك الآخر،ويتخطى حدود الظلم التقليدي ويتجاوزه ليتحول إلى طغيان كبير جداً يجعل من الحاكم العربي بمنزلة الإله الذي لا يخطئ،وإن كان هنالك خطأ فيتحمله غيره من الوزراء والحكام الثانويين ، فالأخطاء غير موجودة في قواميس الحكام .وأبشع أنواع الظلم يتمثل بوجود الصلاحيات والسلطات كافة سواء التشريعية أو التنفيذية أو حتى القضائية بيد رجل واحد ، وهذه الحالة عاناها الشعب العربي في كل مكان ، فقرارات شن الحرب محصورة بيد رأس النظام ، نحن في العراق عانينا من هذا في حربين كان الانفراد بالقرار محصوراً بشخص واحد، فيما كانت الضحية الأولى والأخيرة الشعب العراقي الذي دفع ثمناً مضاعفاً ،وحتى يومنا هذا نجد بأن الكثير من البلدان العربية ما زالت تنتهج الفردية في قراراتها خاصة المصيرية منها مما يلحق ظلماً كبيراً بشعوبها والشعوب والدول المجاورة لها ، وقد يُحدث أزمات وويلات كبيرة يصعب تجاوزها أو تجاوز مرحلتها التاريخية ، وأحد أبرز سمات النصف قرن الماضي من عمر الوطن العربي هي القرارات الفردية المتشنجة التي يتخذها الحاكم في لحظة عدم الاستقرار الذهني وحب المغامرة أو البحث عن مجد شخصي كما حصل في الحربيين العراقية – الإيرانية وغزو الكويت ، وما يحصل الآن من تصعيدات كويتية في قضية ميناء مبارك ومفاعل وبره النووي المزمع إنشائهما معاً بما يؤثر على العراق تأثيراً سلبياً ويلحق ظلماً من نوع آخر ليس بالشعب العراقي بل حتى بالشعب الكويتي الذي لم يستشيره أحد أو يأخذ رأيه في قضية قد تكون خطيرة وخطورتها ليست في مرحلتها الحالية بل في تراكماتها التاريخية في العقود والسنوات المقبلة ، لهذا نجد بأن القرارات الفردية وجه آخر للظلم يقود بالضرورة للطريق الخطأ.
الوجه الآخر للظلم
نشر في: 8 أغسطس, 2011: 08:22 م