عدنان حسينهذه هي ميزة الديمقراطية، وهذا هو سرّ قوة النظام الديمقراطي وتطوره المطّرد وديمومته، فالحاكم المنتخب لا يتصرف باعتباره مُفوضاً مطلق الصلاحية في ممارسة السلطة وفي التعسف في هذه الممارسة، إنه يرى نفسه خادماً لمن انتخبوه ومن لم ينتخبوه وليس قيّماً عليهم، ويستمد شرعيته من قبولهم به ويخسرها بفقدانه هذا القبول.
في منطقتنا ظلت كل أنظمة الحكم، بما فيها شديدة الشمولية كأنظمة صدام والأسد، على مدى عقود تدعي الديمقراطية أو شكلاً خاصاً من الديمقراطية كـ"الديمقراطية الثورية"، بيد أن الواقع يُظهر أن النظام الديمقراطي الوحيد الذي كان قائماً بين ظهرانينا كل هذه الحقبة هو، بكل أسف ورغماً عن أنوفنا وشئنا أم أبينا وأحببنا أم كرهنا، النظام الإسرائيلي.وقد تجسدت ديمقراطية النظام الإسرائيلي في موقف حكومة بنيامين نتنياهو من حركة الاحتجاجات التي بدأت الشهر الماضي وتصاعدت في الأيام الأخيرة.نتنياهو الذي يقع تحت سيطرته أقوى جيش وأقوى جهاز مخابرات في المنطقة، لم يحشُ أذنيه بالشمع ولم يُعصب عينيه بالأشرطة السوداء مع انطلاق الاحتجاجات، كما انه لم يوجّه الشرطة والجيش والأجهزة السرية لقمع المحتجين، ولم يتحجج بالمواجهة مع إيران وحماس والجهاد وحزب الله، ولم يلفّق التهم لقادة الحركة الاحتجاجية والمشاركين فيها، ولم ينشئ قوة من البلطجية أو الشبّيحة لكسر هذه الاحتجاجات، كما فعلت أنظمتنا سواء التي أُطيحت أو لم تزل تُقاتل بضراوة وتقتل بالجملة لتبقى، بل أن نتنياهو أقرّ بحق مواطنيه في الاحتجاج على سياسات حكومته وأظهر تفهمه لأسباب ودواعي الاحتجاج متعهداً بالتجاوب مع مطالب المحتجين.قال رئيس الوزراء الإسرائيلي مصرّحاً لإذاعة بلاده: "ليس في وسعنا تجاهل حجم الاحتجاجات الاجتماعية"، وأضاف: "نعلم انه يجب أن نحدث تغييرات وسوف نقوم بذلك، بمسؤولية وتجاوباً مع المطالب".الإسرائيليون لم يحتجوا على نقص الحريات أو انتهاك الحقوق المنصوص عليها في الدستور، كما يحصل على نحو منهجي في بلداننا، وإنما كانوا يشتكون من ارتفاع تكاليف المعيشة، ولهذا أقرن نتنياهو قوله بتعيين من يعتقده الرجل المناسب لاقتراح الحلول، وهو الاقتصادي البارز مانويل تراكتنبرغ، رئيس المجلس الوطني الإسرائيلي للتعليم العالي، لتشكيل لجنة للحوار مع المحتجين ومع رجال الأعمال والنقابات وكل من يُمكن أن يساهم في إيجاد الحلول. وفي الحال أثنى أحد زعماء الاحتجاج، هو اسحق شمولي، على اختيار تراكتنبرغ لرئاسة لجنة الحوار واصفاً إياه بالشخصية "الجديرة بالثقة" (لاحظوا أن نتنياهو لم يعيّن أحد نوابه أو مساعديه لرئاسة هذه اللجنة، وإنما اختار شخصية اقتصادية اختصاصية).كل الأنظمة الديمقراطية قوية ومستقرة ومتطورة، وإسرائيل قوية بسبب نظامها الديمقراطي. ولهذا نريد النظام الديمقراطي... النظام الديمقراطي الحقيقي الذي يتعامل فيه الحاكم مع شعبه على طريقة نتنياهو في الأقل وليس على طريقة القذافي والأسد وعلي صالح محمد، وقبلهم بن علي ومبارك وصدام، وليس كذلك على طريقة حكومة المحاصصة الطائفية والقومية والدينية والعشائرية والمناطقية القائمة في العراق، هذه الحكومة التي سعت مثلاً إلى مكافحة حركة الاحتجاج ضد الفساد وتردي الخدمات العامة وتدهور الحال المعيشية حتى قبل حدوثها بتأليب المؤسسات السياسية والدينية عليها ومنع التظاهر وفرض حظر التجوال، ثم باستخدام القوة الغاشمة ضد المتظاهرين منذ يوم انطلاقها وفي كل يوم تتواصل فيه .. هذه الحكومة التي أبرز ما تتصف به انها اكبر تجمّع بين حكومات العالم لغير المتخصصين في الشؤون الحكومية، وللفاسدين أو المتسترين على الفساد أو المتهاونين مع الفساد والفاسدين.
شناشيل: تعلّموا.. من إسرائيل!
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 8 أغسطس, 2011: 09:42 م