علي حسينلماذا لا يستقيل حسن الشمري من منصبه وزيراً للعدل، بالتأكيد هناك عشرات الأسباب التي تدعوه إلى التفكير في تقديم استقالته، لكنني سأكتفي بذكر سبب واحد، منذ حوالي ثلاثة أشهر، قال الشمري حول حادث هروب عدد من السجناء من سجن التاجي: "إن المعلومات التي تفيد عن هروب 5 سجناء من سجن التاجي جميعها عارية عن الصحة".
هذا ما قاله وزير العدل يوم 20/5/2011.. وبعد يوم اكتشف الوزير أن هناك تقصيراً من إدارة السجن أدى إلى هروب عدد من السجناء فقرر إعفاء مدير سجن التاجي وهذا اخبرنا به الناطق الإعلامي للوزارة في 21/5/2011. هذا التناقض يكشف أن وزير العدل أغمض عينيه عن معرفة الوقائع، وأن وزارة العدل أثناء ولايته نامت وشبعت نوماً، وأن الحكومة تجاهلت الأمر لكي لا يعرف احد الحقيقة!.أين هي المسؤولية الشخصية التي يجب أن يتحملها الوزير عن تكرار هروب السجناء؟ هل هي في التستر علي الجريمة، أو في العمل على ضياع الحقيقة التي تقول إن وزير العدل مسؤول مسؤولية مباشرة عن تكرار حوادث هروب السجناء، وأن الوزارة تقاعست عن القيام بدورها وبواجباتها في العمل على الحد من هذه الظاهرة الخطيرة،  لا يمر شهر إلا ونسمع عن هروب سجين بمساعدة حراسه، وفي كل مرة نسمع أن وزير العدل اصدر أوامره بالتحقيق، ولم نسمع عن نتائج التحقيقات شيئا، بعدها يخرج علينا الوزير بتصريح غريب، لكنني لم أتصور أنه سيسعى يوما إلى تحويل السخرية إلى واقع على الأرض، ثم يتعامل معها بمنتهى الجدية، ويريد منا أن نتوحد مع قناعاته البعيدة عن الحقيقة، فالوزير قال عن أسباب هروب سجناء الحلة بان برلمانيين إسلاميين مسؤولون عن الحادثة، تصريح يكشف قدرة الرجل الخرافية على الانفصال عن الواقع والتحليق بعيدا عن المنطق، فالوزير الذي سجل عهده أرقاما قياسية في هروب السجناء، ترك كل شيء ووجه اهتمامه إلى ما تلبسه موظفات الوزارة فاصدر تعميمه المشهور والذي يقضي بان تلتزم جميع موظفات الوزارة ودوائرها الحشمة في ملبسهن، فالرجل مشغول بهموم وقضايا اكبر فهو يريد للمرأة الموظفة أن تلتزم الحشمة في ملبسها، ولا يهمه إن اختلست أو قصرت بأداء واجبها الوظيفي، فوزارة العدل في نظره وزارة للآداب والحشمة وليست وزارة لإدارة السجون والإشراف على الجانب القضائي في العراق، وإذا كانت تصريحات الوزير هذه المرة جمعت بين الكوميديا والأكشن والعنف فإن الجزء الكوميدي من المسألة هو الحديث عن الأحزاب الإسلامية وكأن الرجل ينتمي إلى حزب يساري و أغلب الظن أن الشمري لم يكن "ينكت" عندما اتهم نواباً إسلاميين وبالتالي فعلينا أن نلفت نظره لبعض الحقائق التي لا تخفى عليه:هل مجلس النواب يضم أكثرية ليبرالية وعلمانية؟ وان الأقلية من النواب الإسلاميين يريدون التنكيل بهم؟ وهل القوى العلمانية التي ينتمي إليها الوزير تتعرض لمؤامرة؟ الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن السيد وزير العدل إن جميع القوى النافذة في البرلمان هي قوى تنتمي لأحزاب دينية، وهي التي تتهاون كل يوم في أداء واجبها الرقابي والدستوري في محاسبة الوزراء المقصرين والفاسدين.وإذا كان تصريح الوزير عن هروب سجناء التاجي قد تكفل بنفسه وتبخر بفعل تلك الغابة الكثيفة من الدخان المنبعث من مستودعات الأرقام الصماء التي لا تقول شيئا، ولا تدل إلا على أن مطلقها إما يتحدث عن سجون أخرى، أو يقصد بلدا آخر غير العراق، فان التصريح الثاني عن سجن الحلة يبدو أكثر درامية وخفة ظل حيث جعلنا نضرب كفا بكف من أين للسيد الشمري بهذه الطاقة الجبارة والقدرة على الرصد والتحليل والاستنتاج؟لكن المدهش أكثر هو القدرة على حرق الحقائق والقفز عليها، بحيث تبدو عملية هروب السجناء من منظور وزير العدل، مؤامرة يقودها نواب إسلاميون لضرب المسيرة العلمانية في البلد والتي يقودها السيد الشمري، وكل ما قيل عن ملفات الفساد في السجون وعن الرشاوى وشراء الذمم هو هلاوس وضلالات تستبد بالعراقيين بين فترة وأخرى، ماذا يهم الوزير أو الحكومة إذا هرب سجين واحد او عشرة، فالذي يدفع التكلفة، هو هذا الشعب المغلوب على أمره. السيد الوزير.. الناس تريد معرفة الحقيقة في ملف هروب السجناء، وبعكسه فنتمنى أن تحكم ضميرك، وتسأل نفسك ما هو الدور الذي لعبته وزارة العدل في حياة العراقيين، وستجد انه أفضل لك ولنا أن تقدم استقالتك من هذه الوزارة التي تحولت في عهدكم من وزارة للعدل إلى وزارة للحشمة.