TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > في الـبــــدء: بطر الحجاج!

في الـبــــدء: بطر الحجاج!

نشر في: 9 أغسطس, 2011: 05:39 م

 علاء المفرجيلم تكن رغبة منه في الإعلان عن نفسه، فقد سبقه شعره في الإعلان عنه حد ذيوع صيته، ولم يكن سعيا منه للشهرة، فقد زهد بها مذ سار على صراط لا يحيد إلى مدح حاكم أو طلب مجد زائف. سعيد كان في آن لا احد يعرفه (غير العطارين والكشاونية والشعراء، وما من احد تجرأ على الاعتراف به غير الكتبة وزبائن مقهى الشابندر)، كما يقول عبد الستار ناصر. وربما من اجل هؤلاء فقط لا من اجل نفسه أطلق صرخته
- اعتكافه في منزله حتى الموت- احتجاجا على الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي في البصرة، واعتذاره عن عدم رده على اتصالات أصدقائه.المفارقة أن مانيفستو الحجاج تزامن مع لجة الانشغال- انشغال أولي الأمر – في تقصي مصير دراهم ذهبت لشراء بعض من الكهرباء من شركات كانت كبرى يوم زف إلينا نبأ اقتراب الفرج، وأصبحت وهمية يوم تصفية الحساب بين (الحرامية).يقيناً، أن الحجاج لم يفكر يوماً في أن يدفعه اليأس للصراخ بمثل هذه القوة من اجل (كهرباء)، أو من اجل محطة لتصفية ماء البصرة الذي لوثه (الأشقاء)، وهو الذي كان يتصبب عرقاً متحدثاً إلى محاوره الصحفي ومتطلعاً إلى (بناء نظام مؤسساتي يرمم الخراب الذي لحق بالمشروعين السياسي والثقافي) أو إلى (تغييرات جوهرية وعقلانية في المنظومات الاجتماعية والتربوية والثقافية).. بل ويبدي مخاوفه من (انقراض ظاهرة القراءة من المشهد الثقافي العراقي). نفض الحجاج يده من هذه اليوتوبيا، فهي ليست إلا بطراً، أو أضغاث أحلام. صار فقط يستجدي حقه في العيش بكرامة البشر. في رسالتين قصيرتين وردتا لي من مبدعين بصريين كبيرين صيف العام الماضي محمود عبد الوهاب ومحمد خضير يعتذران فيهما عن مواصلة كتابة أعمدتهم الأسبوعية في ثقافية المدى بسبب عدم قدرتهما على الكتابة في هذا الجو الجحيمي الخارج احتمال البشر. وخلافاً لتقاليد النشر وتمرداً على توجيه رئيس التحرير لم اكتب حينها تنويهاً اعتذر فيه للقراء عن استمرار المبدعين الكبيرين في كتابة أعمدتهما، لأني وجدت ببساطة أني سأعتذر بما لا يقنع القراء.هل أصبح الحجاج غير قنوع بما كتب له من موهبة، ليتمرد بمثل هذه الطريقة السبارتوكوسية على من يسلبه حق إنسانيته، لا حقه في (نظام مؤسساتي ومنظومات اجتماعية وتربوية.. وما إلى ذلك) مثل أي مترف، أم تُراه سئم عبثية رحلته السيزيفية، وأطلق صرخته التي ربما تعتقه من حمل صخرة معاناته وآلامه حتى قمة اللاجدوى.تماماً مثل شعره كان فعل الحجاج هذه المرة، قريباً من الناس، متماهياً في اليومي البسيط، ومثل شعره أيضاً حين يصل إلى الآخر بيسر ولكن بشعرية وفنية عالية. كان فعله بسيطاً لكنه ضاج بشجاعة يحسد عليها:إننا في الجنوب نأكل الخبز حتى يعيش بناونحرم ذبح دجاج البيوتأيهون علينا: نربي ونذبح؟ كيف يهون؟rnلكنه يهون عليهم أبا أنيس أن يذبحوا حتى من لم يربوا ويتلذذوا بمرأى شاعر وهو يستجير من الرمضاء بالنار.يقيناً، إن أصحاب الكروش المتهدلة والرؤوس الخاوية يتهامسون في ما بينهم الآن عن هذا الفعل الدونكيشوتي- هل يعرفون دونكيشوت؟- لهذا الشاعر المدعو كاظم الحجاج الذي تجرأ على التصريح بمثل هذا المطلب البسيط الذي لا يرقى إلى ما هم منشغلون به من (قضايا كبرى) في قاعاتهم المكيفة.هل ننتظر أن يمنوا علينا بالكهرباء؟ أم ننتظر موتك؟، وأيهم نخسر؟ أم ترانا ننتظر أن يتحدث شهريار أخيرا*.ــــــــــــــــــــــــــــ* إشارة إلى عنوان المجموعة الأولى للحجاج

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram