TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > منطقة محررة: الأدباء والمؤامرة

منطقة محررة: الأدباء والمؤامرة

نشر في: 9 أغسطس, 2011: 05:41 م

 نجم واليمع بداية كل عام جديد ترشح العديد من المجتمعات في العالم كلمة جديدة، لتصبح كلمة العام، وهي عادةً الكلمة الأكثر استخداما نطقاً وكتابة. وفي ألمانيا يصدر كتاب دوري يُطلق عليه "الدودن" يُنظم علاقة الألمان باللغة، من الإملاء مروراً بالكلمات الغريبة حتى النحو. والأمر يُثير عندي التداعي، ويحملني على التفكير بالوضع عندنا في المجتمعات العربية، صحيح أننا لا نملك لجنة مثل هذه اللجنة، على العكس عندنا أكثر من مجمع لغوي أعضاؤه ينامون ويصحون على طريقة أهل الكهف، ولكن ماذا لو كانت عندنا بالفعل لجنة شبيهة،
 وما هي الكلمة التي ستختارها، هل سيفاجأ بعضنا، عندما يعرف أن الكلمة المختارة، والأكثر استخداما في البلدان الناطقة بالعربية ستكون بالتأكيد كلمة "مؤامرة"؟وليس المقصود هنا حديث السياسيين عن المؤامرة، فالمؤامرة عنصر مهم من عناصر عالم السياسة، حيث يتغذى الاثنان على بعض. المقصود أكثر هو استخدام المثقفين والمفكرين للكلمة بمناسبة وبدون مناسبة. فمنذ بداية القرن الماضي، والمثقفون الناطقون بالعربية هم أكثر الناس ترويجاً للـ "مؤامرة".عباس محمود العقاد الذي يُطلقون عليه "عميد الأدب العربي"، لم يكتف بتصنيف الرواية كفن منحط لا يمكن مقارنته بفن الشعر "العظيم"، لأن وفق تصوره بأن النثر هو "فن العامة" (الرعاع!) عكس الشعر الذي هو فن النخبة "الصفوة المختارة") إنما نظر لها كـ"مؤامرة شيوعية"، ولكي يُثبت نظريته "العبقرية"، يقول "انظروا إلى مثالهم بكتابة هذا الصنف، من الأدباء الروس البلاشفة، أمثال بوشكين". "عميد الأدب العربي" لم يعرف أن الرواية لم تنشأ في روسيا "البلشفية"، إنما نشأت قبل الثورة الروسية بأربعة قرون، وقبل بوشكين بخمسة قرون، وفي إسبانيا، مع "الدون كيخوته" لثيرفانتيس، كما يجهل أن بوشكين، لم يكن بلشفياً، وأنه عاش ومات قبل الثورة الروسية. ولكنه يصر على كون الرواية "مؤامرة".على هذا المنوال الساذج بُنيت نظرية المؤامرة الأدبية من قبل العديد من المفكرين والمثقفين الذين يُعدون مراجع "مقدسة" لا يمكن المساس بها، لأن المساس بها يدخل في باب "المؤامرة". فلم تمر سنوات على دعوة العقاد لدحر "المؤامرة البلشفية"، حتى بدأ الهجوم في الخمسينات على الشعر الحر، والدعوة لمكافحته باعتباره "مؤامرة استعمارية"، وأنه يساهم في(تفليش) إرث هذه الأمة "المجيد".سنوات طويلة كان على الشعر الحر أن يكافح ضد تخوينه، ولكن في أغلب الأحيان بالسلاح ذاته: سلاح "المؤامرة". المدافعون عن الشعر الحر، نظروا للهجوم عليه تعبيراً عن "مؤامرة" الجهل، التي يريدها الاستعمار للمنطقة. وكان على المرء، ربما، أن ينتظر سنوات قليلة بعد ذلك، حتى تبدأ الكتابة بقصيدة النثر، ليقرأ هذه المرة، أن قصيدة النثر هي "مؤامرة صهيونية"، روجت لها مجلة شعر "العميلة". أما كتابة الشعر بالعامية، فتُعد أخطر "مؤامرة" تعرضت لها هذه الأمة "المجيدة الواحدة"...وهكذا.على مدى كل سنوات القرن الماضي، حصل تبادل في المواقع بين المهاجمين لهذا المشروع أو ذاك وبين المدافعين عنه، لكن الجميع يتفقون على أن نهر الحياة عندنا لا يجري بصورة طبيعية، إنما هناك دائماً "مؤامرة" تدفع به. والمؤامرة تحدث على كل المستويات؛ لم تطل كل أصناف الفنون والآداب فقط، إنما دخلت إلى حياتنا اليومية وأصبحت جزءاً من تربيتنا، وسلوكنا؛ أجيال كاملة نشأت على نظرية المؤامرة. أجيال كاملة أصابها العمى الذي يجلب معه بلادة الاعتقاد بوجود مؤامرة. إذ ليس هناك أسهل من إرجاع كل شيء إلى سبب خارج عن إدارتنا، ليس هناك أكثر راحة من لعب دور الضحية."المؤامرة" تلك الكلمة السحرية، تحمل الكثيرين على الاسترخاء وعلى النوم بضمير مرتاح، لأنهم عن طريق ترويجها يعتقدون بإعفاء أنفسهم من كل مسؤولية، أو يقومون بتثبيت سلطانهم، ألم يعتبر الزميل القاص الليبي معمر القذافي، الديمقراطية "مؤامرة" صهيونية في خطاب له قبل عشر سنوات في جامعة القاهرة، وأمام حشد من أساتذة الجامعة، الذين لو كانوا اكتفوا بصمتهم فقط لهان الأمر، إنما صفقوا له بحماس.ننام ونصحو، ومعنا المؤامرة. وإذا كان المثقفون الذين العرب مدمنين بالحديث عن المؤامرة، فكيف بالمواطن "العادي"، الذي يفتقر لأبسط حقوق المواطنة، بل حتى لو امتلك حقوقه "الإنسانية" البسيطة، فإنه لن يشك بأن ذلك جزءا من "المؤامرة". قبل أيام، وأنا أشتري الخضر اوات من بائعها العربي في المدينة، عباس، سألته عن الأحوال، فاشتكى لي من الألمان، ومرارة العيش، وعندما سألته مندهشاً، كيف يشكو وهو صاحب المتجر الكبير، الذي يزدحم بالزبائن دائماً، وماذا سيقول أذن أخوه المواطن الذي يعيش هناك، في البلاد؟، فقال لي "يا أخي، كل شيء مؤامرة، ضد العرب والإسلام، لماذا نحن هنا؟ إنها مؤامرة علينا، لكي يبقى اقتصادنا راكداً".تُرى متى تنتهي المؤامرة؟ أليست لكل مؤامرة نهاية؟ عميد الأدب العربي، العقاد، لم يتنبأ لنا بتاريخ معين؛ هل نسأل أعضاء إتحاد الكتاب العرب، أحفاد العقاد، الذين لا يصدر بيان منهم بمناسبة أو بأخرى دون التحذير من ا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram