علي النعيميللأمانة أوجه عدة تختلف معانيها تبعاً لمتغيرات الظروف والأحداث وحكاية اليوم لها دلالة خاصة وان تخللها شيء من الطرفة بحيث علقت قهقهات شخوصها على جدران الذاكرة، لكن ملخصها لن يخرج عن نطاقي الحرص والمسؤولية التي تفنن بها عراقي الأمس، فضّرب لنا أروع الأمثلة على الأمانة حتى بتنا نتطلع شوقاً لمن يأت ويوخز كرش المسؤول الحالي مذكراً إياه بالمقولة الخالدة (الوفاء نور أبلج لمن عرف معانيه)
عله يرد جزءاً من هذا الدين الأخلاقي لكل من أفنى زهرة شبابه بكل أمانة وشرف وأننا هنا حينما نسرد تلك القصص فلا بد لنا أن نشّد كثيراً على أيديّ الشخصية الأكاديمية الرياضية المتجددة المتمثلة بالخبير الدكتور عبد القادر زينل الذي ما زال ُيسطر سير الوفاء للعظماء القدماء عبر حلقاته ووقفاته الوجدانية التي ما زال يستقيها لنا من زمنه الجميل ليدونها في ملحق (المدى الرياضي) وفاءً لكل من نذر عمره بصمت لخدمة العمل الرياضي خلف الكواليس.طرفة اليوم قصّها لنا نجم منتخبنا الوطني ونادي الطلبة السابق المدرب "جمال علي" حيث اقترنت حكايته بشخصية رياضية قّلّ نظيرها في التفاني والعمل الدؤوب لا سيما مع المواهب ودوريات المدارس ومنتخبات التربية انه الترّبوي المدرب "محمد حسون" الذي كان مؤتمناً وحريصاً على لاعبيه أولاً وعلى ملابسهم ثانياً، إذ من عادته وبعد نهاية كل موسم دراسي يتجمع (الطلبة) اللاعبون من حوله فيقوم كل (لاعب) بتسليمه قميص (أدريس اللعب) بعد ما يوقعون على وصولات تسليم (براءة الذمة) ومن حسن حظ حسون انه كان يتبع الاسلوب الانكليزي في ترقيم اللاعبين في الملعب أي يبدأ بالتسلسل من الرقم (1) انتهاءً بـ(11) التشكيل الأساسي والى 23 الاحتياط . وحِرص حسون الذي كان يعمل مدرباً في تربية الرصافة آنذاك على اختيار أفضل الماركات العالمية وبالفعل اشترى للاعبيه ماركة (هاللبرو) العالمية على إن يجمعها من اللاعبين ويضعها في حقيبة بعد كل مباراة ويقوم هو شخصياً بغسلها وكيها وبدافع شخصي محض. وفي إحدى المرات وبعد الانتهاء من الموسم الرياضي افتقد المدرب (حسون) القميص الذي كان يحمل رقم (11) وظل يبحث عنه طويلاً وراجع كل أوراق براءة الذمم التي بحوزته واتصل شخصياً باللاعب الذي كان يرتديه في الفريق لكن الأخير أكد له أنه أعاده إليه ووقّع على ذلك.عاد حسون إلى بيته عبوساً مكتئباً حائراً كأنه أضاع سبيكة من الذهب وليس قميصاً زهيد الثمن يقلّب خزائن ملابسه فلم يجده فهرع إلى تربية الرصافة واخبرهم أنه سوف يشتري (سيت) مجموعة كاملة جديدة من الملابس الرياضية أي ( 23) قميصاً لأن الرقم (11) افسد عليه التناسق والترتيب العددي للأرقام.بيد أن قدر الله ومنية الموت عجّلت بروح والد المدرب (حسون) فاجتمع الناس من حوله لتعزيته وقبيل الاستعداد لمراسيم الغسل والتكفين للراحل لاحظ (حسون) أن والده رحمة الله عليه كان مرتدياً القميص الذي افتقده ذو الرقم (11) لحظة ما وافته المنية وعندما سأل أهل بيته أجابوه أن الفقيد كان معتاداً بعد كل استحمام إن يخرج إلى الحديقة المنزل الخلفية ويختار إحدى (الفانيلات) المعلقة على حبل الغسيل لا على التعيين ويبدو انه اخذ من (فانيلات الفريق) التي كنت تنشرها يا حسون. تأمل حسون الموقف جيداً وتنهد في نفسه قائلاً: رحمك الله يا أبتي الغالي أولم تجد رقماً آخر غير رقم (11) لتريديه وجعلتني اضرب اسداساً في أخماس ولم أنم ليلتي براحة خوفاً من الأمانة ومسؤولية الدولة مهما خف ثمنها أو غلا سعرها فهي بذمتي.فللّه درك يا حسون وأين أنت من مسؤولي اليوم مهما اختلفت عناوينهم ومناصبهم من الذين يسرقون المال العام في رابعة النهار ودموعهم تسكب زيفاً على الأمانة كالأنهار ويخونون الأمانة في أضاحي الأيام!! فلا ملعب من ملاعب المحافظات الجنوبية والوسطى تم أكساؤه بالنجيل الأخضر، ولا مقاعد جديدة تم تغييرها احتراماً لتلك الجماهير الكريمة الزاحفة، ولا عقد من عقود اللاعبين سلم بالكامل إليهم من دون إن يقتطع احدهم جزءاً من المبلغ من باب هدية بسيطة لفلذة كبده ابنه المدلل أو لأبنته (حبيبة بابا) ذات الجدائل المشذبة ومع ذلك فأن هؤلاء يصومون ويصلون ويحجون ويزكون ويحمدون الله كثيراً على نعمه الحلال وينامون برغد لأنهم أمناء ، بل وحريصون على المسؤولية ! والعاقل يفهم ذلك وكل عام والأمانة والوفاء بخير.
رأيك وأنت حر: قميص حسون
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 9 أغسطس, 2011: 06:30 م