قيس قاسمكان أمام فيلم "هانا" المجال متاحا ليأخذ منحى تقليدياً، كونه فيلم مغامرات وتشويق، وأن لا يخرج مضمونه عما كررته قبله مئات الأفلام الهوليوودية حيث ينتصر الخير على الشر، وحدود سرد حكاياته كان من الممكن له أن يؤطر بسلسلة مطاردات ومغامرات يخرج منها البطل سالما وغانما على غرار أفلام بروس ويليس،
لكن المخرج جوي رايت اختار لفيلمه مسارا مختلفا فأراده "فيلم طريق" حكايته فيها موقف ويتوفر على الكثير من عناصر الأداء السينمي الجيد، ولهذا جاء "هانا" بمستوى قد يمثل مفاجأة، في حدود المنتظر من فيلم مغامرة، وأحداثه في المغرب تزكي له نظرته السوية إلى العالم الآخر، الذي كثيرا ما يقدم في أفلام مشابهة بطريقة سيئة، سواء بحسن النية أم بسوئها.قبل وصول الصبية "هانا" ذات الـ 16 ربيعا إلى المغرب، مرت بمرحلة من التأهيل النفسي والجسدي في غابات فلندا لتصبح مقاتلة أو كائنا قادرا على القتل والدفاع عن نفسه في أصعب الظروف،فقد كانت عزلتها مع والدها أريك هيلر (الممثل أريك بانا) مكرسة لهذا الغرض، وكان الأب ينتظر فقط اللحظة التي تقرر فيها ابنته الذهاب والانتقام من عميلة المخابرات الأمريكية ماريسا ويغلر (الممثلة كيت بلانشيت) التي قتلت والدتها يوم كانت معها وهي طفلة في نفس السيارة وبصحبة والدها الذي تمكن من تخليصها، أما الأم فلم تنج من الفخ الذي نصبوه لهم. لقد كان موتها جزءا من عملية واسعة للمخابرات الأمريكية أردوا فيها التخلص من كل النساء اللواتي أجروا عليهن تجارب لإنجاب أطفال بمواصفات وقوى خارقة، يستفاد منهم مستقبلا كقوة احتياطية للولايات المتحدة، بعد أن توقف المشروع بأمر من السلطات العليا ما كان أمام منفذيه سوى تصفية النساء المشتركات فيه مع أطفالهن ليغلقوا ذلك الملف والى الأبد. أما مهمة تصفية المشاركين فيه فقد تولتها العميلة ماريسا بنفسها وظلت مهمة إيجاد هانا ووالدها جزءا من عمل عليها انجازه وإلا تعرضت لعقوبات ونقد مسؤوليها، ولهذا صار الانتقام من الفتاة ووالدها أمرا شخصيا وصار مشتركا بين المخابرات وضحاياهم الأبرياء ومن بينهم العائلة المغربية التي صُفي معيلها بسبب سلوكه الإنساني ومساعدته للصبية هانا عندما جاءت تسأل عن سكن في فندقه المتواضع، وفي إسبانيا التحقت ضحية أخرى في الركب وكانت هذه المرة عائلة جاءت للاصطياف وهناك تعرفت ابنتهم على هانا التي راقتهم، في ما بعد على الطريق بين اسبانيا وبرلين حيث موعد لقائها مع أبيها وصديقه الذي قتل أيضا على أيدي عملاء المخابرات الأمريكية. عبر تلك التصفيات والرحلة الطويلة نكتشف في كل مرحلة من مراحلها حقائق جديدة تعطي للفيلم أبعادا تشويقية وتشعر المشاهد بحيوية ما يتابعه ،ومن بين هذه المعطيات اكتشافنا هوية أريك هيلر الذي حسبناه والداً لهانا ،ولكن الحقيقة التي أذهلت الصبية إن الرجل لم يكن والدها الحقيقي بل كان عضوا في المخابرات اعترض على مشروعها اللاإنساني وقتلهم المشتركين فيه، فحسبوه بعد موقفه هذا على خصومهم والخارجين على طاعتهم، فصار قتله إلزاما، فيما ظلت هانا هدفً ثانوياً ،ولكن وبسببها قتل الكثيرون حتى حانت اللحظة التي وضعت بنفسها حداً لمشروع القتل الجماعي. حيوية الموضوع وأداء الممثلة الشابة ساوريس رونان الجيد لدور "هانا" حوّلا فيلم مغامرة إلى شريط ممتع بكل المقايس السينمائية.
هانا.. تشويق من المغرب حتى برلين
نشر في: 10 أغسطس, 2011: 06:41 م