عبد الخالق كيطانوتمثل الكوميديا في موسم الدراما الرمضانية قاسماً مشتركاً لعدد كبير من الفضائيات العراقية، وصار عدد من الممثلين بمثابة ماركات مسجلة سواء للكوميديا في رمضان أو لبعض الفضائيات. ولكن المؤسف له أن الدراما الكوميدية في العراق لم تفرز بعد كتاباً متخصصين، كما أنها لم تستقطب الكتاب المعروفين، ولهذا ظلت أغلب الأعمال التي نراها أقرب إلى الارتجال منها إلى النص المكتوب.
بعض الأصدقاء من العاملين في الدراما العراقية يؤكدون أمامي أن الكثير من المسلسلات الكوميدية هي بلا نص أصلاً، ويقولون أن مؤلفي تلك الأعمال، كما تظهر أسماؤهم في التايتلات، لا تعدو مهمتهم كتابة أفكار المشاهد، وما على الممثلين سوى ملء فراغات المشهد بالحوارات المرتجلة. فالمخرج عندما يدخل ممثليه إلى كادر المشهد لا يمتلك أدنى فكرة عن زمن المشهد، لا حواراته، ولا تصاعده الدرامي ولا ما شابه، إنه يعتمد على موهبة الممثلين الذين يؤدون المشهد، وعادة ما يكون التصوير بكاميرا واحدة وبدون قطع أو إعادة. الممثل الجيد هو صاحب الدربة والقدرة على مسك زمام المشهد كما لو كان يمثل في مسرحية "تجارية"، ولذلك فهو يقود المشهد إلى بر الأمان، والممثل الذي يفشل في هذا الاختبار عليه أن يجد عملاً في مكان آخر.والموضوع، كما يبدو، ينتقل بسهولته من كتابة النص إلى الإخراج مروراً بالتمثيل والمكملات الأخرى، لا عجب إذن أن تكون الكوميديا بهذه الطريقة هي أسهل الإنتاجات العراقية في رمضان وغيره، ولكن اللافت أن بعض القنوات، الشرقية أبرزها، انتبهت إلى الموضوع فعوضت عن فقر الكوميديا بتصميم تايتلات فيها نوع من الإبهار، ومع ذلك ظلت كوميديا تلك الفضائيات بسيطة للغاية، بل وساذجة. في الموسم الحالي نرى عدداً من النجوم وهم يتبارون في أعمالهم، فالفنان قاسم الملاك في "سائق الستوته" يريد أن يقدم أفكاراً كبيرة قبل أي شيء، ولكن كيف يمكن أن تقدم أفكارا كبيرة بوسائل بسيطة؟ غيره يدركون أن أمر الكوميديا في العراق لا يتجاوز تقليد لهجة ابن الجنوب والمبالغة في حركاته، أمثال هؤلاء كثر جداً ويظهرون يومياً على أكثر من فضائية. من جهتي أعتقد أن هؤلاء مجرد "مشخصاتيين"، لا أكثر ولا أقل. ويبقى أن بعض الممثلين يجتهدون كثيراً في تقديم أدوارهم، حتى وإن كانت موضوعاتها بسيطة، لا يمكن في هذه العجالة تجاوز أداء الفنان أياد راضي في أكثر من عمل، فهو يتنقل برشاقة بين دور وآخر في أداء بسيط خال من المبالغة، وكذلك الفنان علي جابر الذي بدأ يحقق نجاحات متتالية، وهو يستحق ذلك لما يبديه من دأب وشغف بعمله. هنالك ممثلون يأتون ويذهبون، وآخرون يكملون المشهد العام للكوميديا في العراق.. وذلك كله يدفع إلى القول أن موجة المسلسلات الكوميدية في العراق تدرب الكوادر على هذا الفن الصعب، وربما تستدعي كتاباً يتخصصون فيها، وبالتالي يرسمون لنا شخصيات كوميدية ولا يتركون سمات الممثل الخارجية والمعروفة تسيطر على الممثلين في شخصيات مختلفة. إن بعض الممثلين الكوميديين في العراق لا تستطيع أن تفرق بين أدوارهم إذا ما ظهروا في أكثر من عمل، فهم يعتمدون على مفردات وحركات وإشارات ثابتة يطبقونها في كل عمل بغض النظر عن اتساقها مع العمل والشخصية التي يظهرون فيها، وهو أمر يدلل من جديد على أن الكثير من مفاصل الكوميديا في العراق غير مدروسة بشكل علمي بل تترك إلى الارتجال أكثر من أي شيء آخر.على الممثل العراقي، الكوميدي، كما أعتقد أن يغادر كليشيهات المسرح التجاري إذا ما أراد أن يختط لنفسه طريقاً جديداً في الكوميديا التلفزيونية، لأن ما يناسب التلفزيون قد لا يناسب المسرح، والعكس صحيح... أما البقاء أسرى الحركات المبتذلة والمفردات السطحية والشخصيات النمطية فهو لن يكرس إلا ممثلين... مهرجين...
عين: دراما رمضان 4
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 10 أغسطس, 2011: 08:43 م