هاشم العقابيكنت قد كتبت مرة عن غياب ثقافة الاستقالة الطوعية من بال المسؤولين في الحكومة حتى لو حلت بالبلد كارثة. ولم نسمع يوما بمسؤول واحد استقال بطيبة خاطر معترفا بتقصيره أو عجزه عن رفع قليل من معاناة الشعب التي باتت معروفة للقاصي والداني.
الغريب أننا نسمع بإقالات وليس استقالات. وشتان ما بين الاثنين. فالإقالة قد تكون فعلا تسلطيا أو تجاوزا على الدستور. وهذه لا تسمن ولا تغني عن جوع. إنها في الحقيقة تزيد طين مصائب العراقيين بلة.غياب ثقافة الاستقالة رافقه غياب آخر لثقافة أخلاقية حميدة سياسيا واجتماعيا. إنها ثقافة الاعتذار. فما حل بالبلد من انتكاسات في الأداء السياسي والأمني والإداري لا يمكن أن يسجل ضد مجهول، بل هو، قطعا، بفعل فاعل. ومع هذا لم نجد من اعتذر للشعب عن فعلته خوفا أو حياء. هناك عجز واضح من رأس السلطة حتى قدميها في إيجاد حلول للكثير من المشكلات، صغيرة كانت أم كبيرة. والعجز، في اغلبه يتأتى من سببين هما: غياب الخبرة أو فقدان القدرة إن لم نضف لهما التقصير أو التقاعس المتعمد. كل هذا ولم نسمع باعتذار مسؤول حتى هذه اللحظة.قبل يومين، فوجئت بخبر يقول إن السيد المالكي قد قدم اعتذارا نيابة عن عضو في كتلته التي يرأسها. فرحت حقا وكدت لا اصدق الخبر. لذا أجلت الكتابة عنه في حينها منتظرا ما يؤكده او ينفيه. ولأن لا نفيا ولا تأكيدا صدر، فاني سأفترض صحة الخبر افتراضا.بحثت إن كان هناك اعتذار سابق قد صدر عن رئيس الوزراء، فلم أجد إلا اعتذاراً مماثلاً للجهة ذاتها، كان قد جرى الحديث عنه في العام الماضي. الاعتذار الأخير كما جاء بالخبر: "قالت النائبة عن دولة القانون بتول فاروق، الثلاثاء، إن رئيس الوزراء نوري المالكي قدم اعتذارا الى كتلة الأحرار على خلفية تصريحات النائبة حنان الفتلاوي". أما الاعتذار السابق فقد جاء ذكره في حزيران من العام الماضي بنص يقول: "كشف أمير الكناني، الأمين العام لكتلة الأحرار، التي تمثل التيار الصدري، تقديم رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي اعتذاره عن أخطاء الماضي التي ارتكبها ضدنا".ما يفرح أن رئيس الوزراء يعرف أهمية الاعتذار كفعل سياسي وقيمة مرغوبة وفاعلة في حل الأزمات. فليس هناك ما هو أفضل للمستقبل من الاعتذار عن أخطاء الماضي، بحسب العالم اللاهوتي الأمريكي تريون ادوارد. لكن ما يحزن هو أن يخص السيد المالكي كتلة بعينها بالاعتذار "مرتين" وكأنها الوحيدة التي عانت من أخطاء الحكومة وتعثرها. لا أريد أن أمعن بأسئلة من قبيل: لماذا كتلة "الأحرار" وليس المتظاهرين الذين ضربوا بالعصي والهراوات والعكل والقرابيج سرا وعلانية؟ ولماذا لم يعتذر سيادته للناس الذين أوعدهم بان العام 2009 سيشهد انتهاء مشكلة اسمها الكهرباء ولم يف بوعده؟فقط أريد أن استحلفه بقلب مفتوح في شهر الغفران هذا: كم فعلة او جريمة ارتكبت بحق الشعب والوطن تستحق ألف ألف اعتذار؟ هل حقا احتاج الى سرد قائمة بما يجب الاعتذار منه؟ وهل سأكون مبالغا لو قلت انه بحاجة الى تقديم ثلاثين مليون اعتذار لتشمل كل عراقي بما فيهم سيادته؟والاعتذار للنفس لا يقل قيمة عن الاعتذار للآخرين. فهل من معتذر؟
سلاما يا عراق: لمن يعتذر المالكي؟
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 10 أغسطس, 2011: 09:08 م