بغداد/ أكرم عزيزساعات الصباح الأولى حينما لا تجد غير أشباح الأشخاص تسير متخفية وراء ظلام الليل الذي لا يزال يخشى النزول فيرتفع بدلا منه قرص الشمس الساطع ليتوسط سماء بغداد. يسير (ساجد) بخطى مترنحة وعيونه ساقطة في الأرض وما زال النوم يغفو على جفنيه. الساعة الخامسة صباحا يرتقي (سجاد) أول سلالم العمل المرهق، يتوجه الى إحدى الزوايا ويخلع ملابسه ويرتدي ملابس العمل المعلقة منذ ليلة الأمس ويجر معه أدوات التنظيف ويدخل في آخر الرواق دافعا قدما وساحبا الأخرى كمن لا يريد ان يصل لكن هناك قوة تدفعه من الخلف وتجبره على الدخول. امسك الفرشاة الخشنة وغاصت يداه بمساحيق التنظيف.
الطريق من الناصرية إلى بغدادقبل ثلاثة أشهر كان (سجاد) يستيقظ قبيل الظهيرة. أم (سجاد) كانت قد وضعت (صينية) الفطور منتظرة الرجل الكسول ليبدأ يومه بأكل (الباقلاء بالدهن) ثم يتوجه إلى مفترق الطريق حيث ينتظره الأصدقاء العاطلون عن العمل.في ذلك اليوم لم يكن مفترق الطريق غنيا بقاصديه، استغرب (سجاد) أمر أصدقاء المفترق، أين ذهبوا اليوم؟ سأل عنهم الواحد تلو الآخر فوجدهم قد اجتمعوا ليودعوا (هاشم) عند كراج (الشطرة) بعد أن قرر الذهاب الى بغداد للعمل. حينها تذكر (سجاد) الكلام الذي كان يدور قبل أيام بين أصدقائه حول ان الوقت قد طال دون ان يجدوا عملاً بديلاً ففكروا باللجوء إلى المحافظات الأخرى حتى يكسروا حصار العمل في الناصرية!«سجاد تعال نظف الميز» ذهب لينفذ أمر صاحب المطعم بعد أن وجد نفسه هنا منذ ثلاثة أشهر عند صديقه هاشم الساكن في منطقة الكاظمية وقد أصبح عاملا في احد مطاعم المنطقة، طالبا منه أن يجد له عملاً في احد المطاعم وكان الحظ قد حالفه حينما كان المطعم الذي يعمل فيه (هاشم) يحتاج عامل تنظيف.البيوت في الشطرة صغيرة وقديمة ويتزاحم الساكنون فيها لأنهم يحبون العيش معا، وسجاد الأكبر سنا بين أخوته العشرة تحمل مسؤولية البيت بعد ان توفي والده وهو في سن مبكرة حينها لم يستطع أن يكمل دراسته بل أكملها في السوق يدفع (عربة) الخضار ويوصلها من منطقة الى اخرى. لكن سجاد الصغير قد كبر وأخوته كبروا ايضا ولم تعد (العربة) تجدي نفعا ولا تسد رمق العائلة الكبيرة فانتقل من عمل لآخر حتى استقر به الأمر بمطعم الكاظمية.rnشح فرص العملعدد كبير من شباب محافظات الجنوب تحديدا يفضلون القدوم الى بغداد نظرا لفرص العمل القليلة في محافظاتهم وبالمقابل،إن اجور العمل في بغداد اكثر كما يقولون!! عامل البناء كاظم جوير 23 سنة وهو من اهالي الديوانية يقول: لقد قدمت الى بغداد لان اجرة العمال قليلة في الديوانية. كاظم لا يعرف غير البناء مهنة، ولا يستطيع ان يجلس بالديوانية دون عمل بعد ان قرر في يوم من الايام الارتباط بإحدى بنات المنطقة التي يسكن فيها فأصبح الهم كبيرا والحمل ثقيلا.يرفع كاظم الطابوقة ويتلقفها بيده الأخرى قائلا: إن الأجرة في الديوانية لا تسد حاجتي حيث انها تتراوح من 15-25الف دينار بينما اتقاضى هنا في بغداد أجرة يومية من 35-40 الف دينار ويتراوح مصروفي اليومي مع سكن الفندق عشرة ألاف دينار يوميا من مأكل ومسكن ومصاريف أخرى واذهب الى اهلي كل شهرين واني مرتاح هنا ولا توجد لدي أية مشكلة.فيما مجموعة من عمال البناء منهمكة في رص قوالب من الكونكريت على سطوح إحدى البنايات بمنطقة بغداد الجديدة وكان بينهم شباب صغار آخرون يحملون على ظهورهم الى السطح قوالب كونكريتية ثقيلة لو قورنت بأجسادهم النحيفة، لكنهم يؤكدون انهم لا يشعرون بالتعب خصوصا عندما يتقاضون الاجر في نهاية اليوم فيسيح كل التعب من فوق ظهورهم.rnالملامح المتشابهةبدت على هؤلاء العمال ملامح متشابهة، واتضح في ما بعد أنهم أخوة وأقارب جاءوا من مدينة السماوة للعمل في بغداد ويقول كبيرهم في العمل وهو شاب يقترب من الثلاثين من العمر يدعى حسين « امتهن البناء وأتخصص في سطوح البنايات والكاشي «. حسين يفضل العمل في بغداد لأنها برأيه أفضل من السماوة لوفرة فرص العمل المتاح والربح الجيد، وقد استأجر حسين غرفة في مدينة الصدر ينام فيها مع من يستقدمه من اقربائه في السماوة. يتذكر حسين كيف أن عمله تأثر كثيرا مع تأزم الوضع الأمني في بغداد والآن اعرب عن ارتياحه لما آل اليه الوضع من تحسن مشهود، انعكس بشكل ايجابي على رزقه.ويؤكد باقر وهو شقيق حسين أن الظروف الأمنية التي مرت بها العاصمة بغداد قبل سنتين اثرت كثيراً في عملهم، واضطروا الى المجازفة والعمل في مناطق ساخنة وذهبوا بعد أن نجوا أكثر من مرة من مصائد القتل والتهديد الى المحافظات الاخرى سعيا وراء العمل. اما اليوم فالأمر اختلف حيث يتمكنون من العودة مساءً والتنقل في مناطق بغداد بأمان.أما فلاح مطر فهو يعمل ايضا مع المجموعة نفسها، متزوج ولديه ستة اطفال يعمل في بغداد منذ سنوات عديدة. وعلى الرغم من ذلك فانه لا يفضل الاستقرار فيها ويأسف على ما آلت إليه أراضي الديوانية الزراعية التي كان يعمل فلاحا فيها ويستمتع بوجوده بين الأراضي الخضر لكنه اضطر الى ان يهجرها بعد ان هجرها الماء واصابها الجفاف.rnأطفال وزوجة! أما الـعامل حسان 32 سنة من العمارة فيقول: لقد أتيت قبل شهر تاركا زوجة وأطفالا أربعة لم استطع ان ادخل اي احد منهم المدرسة لأني كنت عاطلا عن العمل منذ فترة وكان أخي الأكبر يتكفل بمصروفي
قادمون من المحافظات..شباب عاملون في العاصمة هرباً من قلة فرص العمل
نشر في: 12 أغسطس, 2011: 06:31 م