لطفية الدليمي كم نحتاج كعراقيين الى فهم أنفسنا وتأمل حياتنا المشتركة لنعرف بوعي نقدي وبصيرة متيقظة سبيل النهوض بأوضاعنا المتردية ، وتطوير أساليب عيشنا والارتقاء بها بأبسط الطرق وأيسرها ، يقول الفيلسوف الهندي رادها كريشنان (إذا ما تعالينا على مظاهر الاختلاف بين المعتقدات والثقافات فسوف نجدها جميعها واحدة ، لان الإنسانية في جوهرها واحدة وان تعددت وتنوعت ثقافاتها) فلماذا لا نستفيد من ثقافات مجتمعات نتعايش معها او مجتمعات تماثلنا ؟؟
ولماذا لا نأخذ بأساليب عيش تخلينا عنها وكانت أقرب الى الطبيعة واكتفاء البشر؟؟التقيت بسيدة فليبينية تعمل في بيت أقارب لي وهي مثقفة حاصلة على شهادة جامعية تجيد اللغة الانكليزية وتمتلك مهارات متعددة من الثقافة الشعبية، تعمل من اجل تعليم أطفالها ومساعدة زوجها الذي يملك مزرعة للرز في بلدة ريفية وسط المروج والأنهار ، أخبرتني أنهم يعيشون في جو استوائي خانق جدا بحرارته العالية ورطوبته وهو شبيه بأجواء دول الخليج -وانهم لا يستخدمون مكيفات الهواء والمراوح مطلقا بل يحرصون على ان يعيشوا في الظروف الطبيعية الأولية التي لم تفسدها الأجهزة الحديثة ، وتقول(: نحن نحترم الطبيعة وأجسادنا ولا نأكل المعلبات والأطعمة الصناعية ،وعندما يصاب احدنا بألم او عارض مرضي نلجأ الى الوصفات الموروثة ونعالج معظم الأمراض بجذور الزنجبيل،ونادرا ما ترى لدينا أمراضا كالتي تجتاح المجتمعات المتحضرة التي تستخدم المكيفات والمدافىء)،لقد خرب الانسان المعاصر حياته وصحته بأساليب العيش الاستهلاكية المستحدثة وتناءى عن الطبيعة بوسع أي مجتمع الاكتفاء الذاتي بما يزرع وينتج لو انشغل الجميع بالعمل وعادوا لزراعة الأراضي المهملة وتخلوا عن الاتكالية والحصول على المنتجات الجاهزة وعملوا على إعادة إحياء الحقول والبساتين التي هجروها ، مثلما تعيش بعض مجتمعات آسيا متعددة الثقافات في معظمها وفق تقاليد الاكتفاء الذاتي من خيرات الطبيعة دون التعويل على نمط العيش في المدن ، لقد وضعت بعض المظاهر الحضارية الزائفة حجابا بين الإنسان والطبيعة وجعلته عبدا للنهم الاستهلاكي المديني ووقع في دوامة من المطالبات اللامنطقية .. 2 -يشعر البعض منا بالتهميش في المجتمع وهو لايدرك بشكل دقيق (معنى المجتمع) الذي تقوم بناه الاساسية على التكافل والتفاعل والتضامن وتعزيز العيش المشترك وتبادل المنافع بين الجميع ،ويسود خطأ في نظرتنا لأنفسنا ومجتمعنا يكمن في تصورات بعضنا بأن كل مجموعة اثنية او قومية او دينية او طائفية إنما هي تجمع بشري قائم بذاته وليس مجتمعا مترابطا مع الآخرين يرسم مصيره مع مصائر المكونات الاخرى ومستقبلها المشترك، ومن هنا يتوجب علينا التخلي عن قناعات راسخة لدى بعضنا : باعتبار ماضي الأسلاف وأحكامهم هي الحقيقة الوحيدة، فهذه القناعة لا تصنع مجتمعات قوية متطورة تحمي روح الإنسان ومستقبله ، فنحن نعرف ان معظم ثقافتنا الإنسانية (العادات والتقاليد والمفهومات والمقولات والأمثال) هي من بقايا تاريخية متقرنة علينا تأملها ومحاكمتها ونبذ ما لا يتوافق مع الشرط الإنساني وضرورات العيش المشترك.يتحدث البعض عن (ثقافة) مجموعته العرقية او الدينية أوالقومية بمعزل عن الوعي بمعنى الثقافة الاجتماعية وأهميتها وتطورها ،وبالتالي توارثها جيلا بعد جيل ، وتتباهى مكونات مجتمعنا بثقافاتها الخاصة ويحاول كل مكون تأصيل ثقافته وارجاعها الى اصول تاريخية قديمة ، مدفوعين بنوع من التعصب دفاعا عن وجودهم ، دون ان يسعوا لتقبل التنوع الثقافي الثري باعتباره ضرورة اجتماعية لبناء صروح الحوار والتكافل وقبول المختلف لترتقي حياتنا ضمن مجتمعاتنا المتضامنة، ولابد من إيجاد سبل وآليات تكفل التفاعل الايجابي بين المكونات وتعيد لها ثقتها ببعضها انطلاقا من استحالة العيش دون تعاون مشترك..3-لقد طرح (سقراط) سؤاله المهم (كيف ينبغي للإنسان أن يحيا ؟) وأتبعه بأطروحة تبدو اشد أهمية (لا تستحق الحياة ان تعاش اذا لم نتأملها جيدا) ،فالإنسان لا يمكنه ان يتأمل حياته كفرد معزول بل يتوجب عليه التفكير في حياته المشتركة مستوى المجتمع ، لأن قدر الإنسان أن يكون كائنا اجتماعيا ،وهذا ما يميزه عن الكائنات الحية التي لا تملك (ثقافة)، وهنا يكمن سره الإنساني وفرادته ، فنحن لا نكتفي بمجرد الحياة - كما الحيوانات التي لا تطلب سوى الطعام لتحيا - بل نريد حياة إنسانية تقوم على التواصل والإنتاج لبناء مجتمع نشكله ونطوره ونعيش في ظلاله، وعلينا إزاء هذا ان نعرف كيف نعزز ونديم ارتباطنا ببعضنا في المجتمع الواحد المتنوع الثقافات.4-تعيش في استراليا ونيو زيلندا وغينيا الجديدة مجتمعات بدائية مترابطة جدا ومسالمة مع ان لدى سكان غينيا الجديدة نحواً من 700 لغة ،وهذا يعني وجود 700 ثقافة وتنظيم اجتماعي ، لكن إيمان هذه المجتمعات بالترابط وانعدام التعصب،
قناديل :كيف نحيا فـي مجتمع متعدد الثقافات؟
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 13 أغسطس, 2011: 05:54 م