ضمن عملية الحراك المسرحي الذي تشهده بغداد قدم مؤخرا على خشبة المسرح الوطني، عرضا مسرحيا بعنوان ( بطلوا الباب )، للمخرج الإماراتي أحمد مال الله، وهو عرض مسافر من دولة الإمارات العربية إلى بغداد، يحمل معه تجربة مسرحية من نوع المنودراما، التي تعتمد على شخصية واحدة، ترتكز على مشاهد متكررة ( الفلاش باك )، واستدعاء الماضي البعيد، بما يجعل العمل مملا متراخي الخيوط والجذب والتفاعل مع الأداء.
ينصب العمل على معالجة أسرية تتعلق ببر الوالدين، وغياب الصلة الحميمة التي تعانيها هذه الأسرة، ونكران الذات، كما يقدم العرض دعوة للحفاظ على العادات الموروثة، والتقاليد الأصلية ، والقيم، والمبادئ، وذكريات المكان وما يرتبط به من دلالات زمانية معبئة بتناقضات الحياة، فرح وحزن ، لقاء ووداع، موت وولادة، وكل ما يجعل الحياة أكثر توهجا وانفعالا، لذا اشتغل مخرج العمل على حكاية تقليدية، حكاية رجل ( يعمل بالبناء ) أحب فتاة لحد العشق، وتوج هذا الحب بالنهاية الطبيعية، الزواج، وبعد حين يرزق بطفل، يكبر مع مرور الزمن فيتمرد على والديه، كما يرفض الواقع المعاش بكل ما يكتنزه من أشياء جميلة، ترتبط بالماضي الجميل وقيمه، مبهورا بشكل الحياة الغربية، وظواهرها التي لا تتفق، وعادات ومفاهيم المجتمع العربي، سيما ما يتعلق بالترابط الأسري، وحقوق الوالدين، ومن هنا يبدأ الصراع.
يختزل المخرج عمله بشخصية واحدة، مظهرا زمن الحدث، بعد وفاة، الزوجة، التي تموت بسبب المعاملة السيئة، التي تعانيها من أبنها، وغياب الأبن، ويظل الأب وحيدا يعيش حالة من اجترار الماضي، والهوس،والتخيل، واستدعاء الزمن البعيد بأدق تفاصيله، بطغيان سردي ممل غير مبرر أحيانا، ويستمر العرض بحركة أفقية حتى يستطيل، ويهبط إيقاعه، بعيدا عن التصاعد الدرامي وتنامي الحدث، إضافة إلى عدم وضوح فكرة العرض للمشاهد العادي ليس على مستوى الإيهام الإبداعي، إنما بقدر دلالته على ضعف النص وحبكته، حتى تغيب عقدة العمل، ويبقى حلزونيا يدور في منطقة واحدة، رغم طاقة الممثل والجهد الكبير الذي بذله في محولة لردم الهوة التي سقط فيها العمل نصا وإخراجا.
وما غاب عن كاتب النص ومخرجه أن فن المنودراما فنا صعبا بسبب اعتماده عل ممثل واحد، يحتاج إلى عناصر كثيرا وجذابة تؤهله ليكون عملا بمستوى العروض الجماهيرية، بما فيها تكنيك العمل، و المؤثرات الصوتية، والإضاءة، وحركة الكاميرا، تلك التي أجهزت على العمل وقضت عليه، فالعمل كان يعتمد على حركة الممثل في زوايا المسرح، ما يستدعي تحول الإضاءة وتوظيفات ألونها بما يتوأم وطبيعة الحركة والحوار والتعبير، عدا أن موضوع الظل كان عنصرا أساسيا في بناء الحكاية، لان الممثل في حالة متواصلة من الهذيان والتداعي، وفي غالب الوقت يمطر أسئلة كثير تسوقها الدهشة والمرارة على زوجته المتوفاة منذ زمن ، وفي حين آخر يتسلل إلى ذاكرته ابنه، وهو يعزف على آلة الكمان، سيما في بداية العرض، وفي ختامه، بينما الأب يستغرق بنوم عميق، وحالة حلميه يتداخل فيها العزف إشارة إلى أن الأبن لم يبقى في ذاكرة أبيه إلا صوتا يتجسد بصوت الكمان الذي يحبه، ومع كل هذه التفاصيل، نرى أن الممثل في جانب وحركة الإضاءة في جانب آخر، ومرافقة الظل في زوايا أخرى من المسرح، حتى بدا العمل ما يشبه الأعمال المدرسية، التي لا تعنى ببناء عناصر والعمل، بقدر ما تعتمد على متن الحكاية بشكل تقليدي .
بالعموم هذا هو الأداء المسرحي الإماراتي، لا يتوفر على عناصر النجاح بسبب غياب الكتاب والمخرجين، والفنيين الجيدين، باستثناء الممثل الجيد في بعض الأحيان، ولعل الأكثر أهمية هو أن الجهات المعنية في الشأن المسرحي، في الإمارات، لا تولي اهتماما خاصا بالمسرح، باستثناء إمارة الشارقة، التي تنظم كل سنتين مهرجانا للمسرح العربي، وإمارة الفجيرة، التي تنظم مهرجان المنودراما كل أربع سنوات.
سقوط في الإيقاع..استطالة في الحد

نشر في: 29 ديسمبر, 2012: 08:00 م