TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إنت فين والحب فين؟

إنت فين والحب فين؟

نشر في: 29 ديسمبر, 2012: 08:00 م

وضع المالكي إصبعه على الجرح العميق حين دعا أول من  أمس إلى "إشاعة ثقافة الحب". أظنها المرة الأولى التي ترد فيها كلمة "الحب" في أحاديثه. المالكي سياسي. والسياسي، كل سياسي، عندما يقول شيئا لا يعنيه مثلما يعنيه المواطن العادي ،خاصة إذا صار ذلك السياسي حاكما. أكثر ما يجيده السياسي هو اللعب  بالألفاظ إلى حد أنه قد يصنع من "الوطن" صورة خرافية لا علاقة لها بوطن الناس. السياسيون الحاكمون يريدوننا أن نموت من أجل "وطنهم" ونتعرى ونجوع ونضحي بلا حدود كي يبقوا في كراسيهم. وطنهم هو الحكومة التي ستزول يوما ولا يظل منها غير بقايا رماد تاريخهم الأسود. أما نحن المساكين فوطننا هو هذا الذي ترونه يئن مما يصبونه على رأسه من مصائب وكوارث وروائح تسد منافذ الخير.
ومثلما يكثر الحكام من التغني بالوطن والوطنية عندما يفشلون، ليضحكوا علينا، نجدهم يتحدثون عن الحب، الذي لا يعرفونه أصلا، ليبتزوا به مشاعرنا قبل عقولنا. فالحب عند السياسي استحواذ وعند الإنسان عطاء. فالسياسي، كما يصفه أوسكار مرينجر هو من "يجيد  فن الاستحواذ على حقوق وأموال الفقراء والأغنياء والرجعيين و المتحضرين ويوهمهم أنه سيحمي كل واحد منهم من شرور الآخر".
السياسي قلبه مثل عقله: مؤدلج. وأنى للقلب المؤدلج أن يعرف معنى الحب ! سؤال قفز على لساني حين سمعت المالكي يتحدث عن الحب! عن أي حب يتحدث؟ هل هي دعوة لنا  إلى أن نحبه هو مثلا؟ أسأل لأن السياسي، كما قلت، قد يعني ما لا تعنيه الناس. إنها "الحسجة" أو الباطنية السياسية. وإن كان يقصد ذلك، فمن قال له إننا نكرهه؟ عن نفسي أجيب، بما غناه رياض أحمد: أحبك ليش ما أدري؟
وقبل هذا وذاك أسأله: هل أنت تحبنا يا دولة الرئيس حتى تدعونا للحب؟ أشك في ذلك، مع احترامي لشخصك. تعرف ليش؟
لو كنت تحبنا لنظرت إلى زنوبة التي تبيع كلينكس بالشوارع وكأنها رحاب حفيدتك. تخيل أنك، في أيام حكم صدام، قد زرت ابنتك وسألتها عن حفيدتك، فأجابتك أنها عند الفلكة تستجدي، فماذا ستقول؟ إن الذي ستقوله هو الحب يا أبا إسراء.
ولو مررت يوما في أحد المساطر ووجدت ابنك أحمد، كباقي المئات أو الآلاف من أبناء العراقيين، ينتظر مقاولا يترحم عليه بفرصة عمل حتى لو كانت جمع المخلفات بكرك عتيق رغم أنه خريج كلية، فماذا سيحدث لقلبك؟ إن الذي سيحدث له هو الحب يا ماسك خزينة البلد المليارية.
ولوأنك تركت الخضراء أنت وعائلتك  ليلة واحدة، ولا أقول شهرا، وبت مع عائلة عراقية تعيش في بيت من تنك، فبماذا ستدعو ربك عند صلاة الفجر؟ إن الذي ستدعو به هو الحب يا حاج بيت الله!
للحب ركعتان لا يتم وضوؤهما إلا حين تجلس مع الناس في مقهى بشارع الكيارة بمدينة الصدر تشرب استكان شاي وتسمع داخل حسن وبنت الريف يتناوبان في أغنية:
لو رايد عشرتي وياك    حجي الجذب لا تطريه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جائزة الجوائز

العمود الثامن: لماذا خسرت القوى المدنية ؟

عندما يجفُّ دجلة!

الأقليات وإعادة بناء الشرعية السياسية في العراق: من المحاصصة إلى العدالة التعددية

قناطر: من الخاسر الحقيقي في الانتخابات ؟

العمود الثامن: مع الاعتذار لعشاق الانتخابات !!

 علي حسين أثار المقال الذي نشرته أمس في هذا المكان بعنوان " لمذا خسرت القوى المدنية " انزعاج البعض ، وشتائم البعض الآخر وسخرية مَّن يعتقد أننا نعيش أزهى عصور الديمقراطية ، وأن...
علي حسين

باليت المدى: الأخوات العشر

 ستار كاووش ثلاث ساعات بالقطار كانت كافية للوصول من شمال هولندا الى مدينة كولن الألمانية. هي ثلاث ساعات فقط، لكنها كانت كفيلة أيضاً بنقلي من عالم الى آخر. ترجلتُ عند محطة كولن وسحبتُ...
ستار كاووش

حوار نووي ساخن: هل تهدد موسكو وواشنطن بعضهما الآخر بالأسلحة الفتاكة؟

د. فالح الحمـــــراني منذ أن أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 29 تشرين الأول بيانًا يأمر فيه البنتاغون ببدء تجارب الأسلحة النووية "على قدم المساواة". وموضوعة الأسلحة النووية باتت الشغل الشاغل ليس لوسائل الإعلام...
د. فالح الحمراني

الفوز اللافت لزهران ممداني: "مقاربة عراقية"

د. أحمد عبد الرزاق شكارة الفوز اللافت لزهران ممداني في انتخابات عمدة نيويورك يجعلنا نفكر في الدلالات والتداعيات لمثل هذا الزلزال ليس فقط على الصعيد الأمريكي وإنما في العراق ذاته في مقاربة (مع الفارق...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram