TOP

جريدة المدى > اقتصاد > أوراق ســــــــــــــيـــاسيـــــــــــــــــــــــــــــــة !

أوراق ســــــــــــــيـــاسيـــــــــــــــــــــــــــــــة !

نشر في: 29 ديسمبر, 2012: 08:00 م

يعد اكتشاف الورق من أهم الإنجازات البشرية التي حققها الإنسان قبل قرون عدة  لغرض استخدامه في الكتابة، واحتل الورق موقعاً متميزاً في تطور المجتمعات واستمرارها،  ونقل تراثها الشفهي والمكتوب،  للاستفادة منه في المضي قدما في عملية البناء والتطور.  
أما في الوقت الحاضر فإن أهمية الورق تضاعفت لدرجة كبيرة،  فهو اليوم يرافق الإنسان منذ لحظة ولادته،  متمثلا ببيان الولادة، ليلازمه طوال حياته حتى لحظة وفاته التي تؤكدها شهادة الوفاة، وما عدا الموت والولادة ، فإن الزواج والدراسة والتخرج والتجارة والسفر كلها بحاجة إلى أوراق ثبوتية تدل على شخصية المرء وتؤكد سلامة موقفه.
الحديث عن الأوراق الرسمية في العراق، هو حديث ذو شجون وشجون، إذ تتضاعف عندنا  قيمة الورقة كثيراً إلى درجة يعرفها مراجعو الدوائر الحكومية أكثر من غيرهم.
فالحصول على ورقة رسمية واحدة، يتطلب أياماً عدة ، يضطر خلالها المراجع إلى التنقل بين شبابيك الموظفين بطريقة فيها الكثير من الإذلال ،إذ يشترط عليه جلب أوراق ثبوتية أخرى، أطلق عليها بمجموعها تسمية المربع الذهبي، وهي هوية الأحوال المدنية وشهادة الجنسية وبطاقة السكن والبطاقة التموينية. أما من أعيته الحيلة من المراجعين ولم يستطع تحمل الزحامات والروتين القاتل،  فإنه يلجأ إلى سلك طرق غير قانونية كثيرة، لعل أبسطها دفع المقسوم إلى الموظف المعني، أو المعقبين الذين ينتشرون كالجراد في أروقة تلك الدوائر لاصطياد ضحاياهم من المراجعين المتعبين.
ومن أجل وضع حد لمعاناة مراجعي الدوائر الرسمية، أعلنت الحكومة قبل مدة، عن نيتها إصدار ورقة جديدة ، أطلق عليها اسم "هوية المعلومات" تتضمن المعلومات الكاملة لكل شخص،  لتكون بديلا عن " المربع الذهبي"،  لتجنبه مشقة حمل جميع أوراقه الثبوتية في حله وترحاله، وما قد تتعرض له أثناء ذلك من تلف أو فقدان . لكن  هوية المعلومات تلك لم تر النور ولم يتم إنجازها لأسباب غير معروفة.
أما الورق الأخضر، فهو ليس مخصصا لشرب الشاي، كما قد يخيل للقارئ لأول وهلة، ولكنه إشارة إلى الدولار الأميركي، ذي  اللون الأخضر، الذي يتردد ذكره في أروقة الكثير من  دوائر الدولة، لكونه  يملك قابلية سحرية على فتح أبواب التعيين أمام الراغبين فيها،  بمجرد دفع مبلغ معين ، لكن الكثيرين وقعوا في الفخ حين خسروا أوراقهم الخضراء وفرصة التعيين معا!     
 ويبدو أن عدد الأوراق التي نحتاج إليها اليوم مرشح للزيادة في القريب العاجل، فقد قدمت الحكومة لمجلس النواب مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي وحرية التظاهر الذي يتحفظ  الكثيرون على نصوص بعض فقراته، ويرون أنها فضفاضة وقابلة للتأويل، ويمكن استغلالها  بشكل أو بآخر، وهو يعكس توجهاً حكومياً لإقامة نظام دكتاتوري جديد، فإحدى فقرات القانون تنص على أن طلب الحصول على إجازة تنظيم تظاهرة يجب  تقديمه قبل خمسة أيام من موعد التظاهرة ،وهي مدة طويلة، ويجب تحديدها بأربع وعشرين ساعة فقط ، وهذا يعني أن حق المواطن في التظاهر والتعبير عن رأيه مرهون بورقة صغيرة تحمل توقيع رئيس الوحدة الإدارية!
وعند الحديث عن الورق في العراق لابد  من أن نمر على ورقة الإصلاح السياسي، التي تم وضعها من قبل التحالف الوطني، لإصلاح مسار العملية السياسية بعد التشظي الذي عانته واستطاع أن يتلمسه القاصي والداني على حد سواء، وجاء الإعلان عنها  بعد فشل الدعوات التي أطلقها بعض الفرقاء السياسيين لعقد الاجتماع الوطني، وتحديدا بعد أزمة سحب الثقة عن السيد رئيس الحكومة  التي تبناها بعض قادة الكتل السياسية الذين اجتمعوا في بغداد وأربيل.
لكن ورقة الإصلاح هي الأخرى تضاربت ردود الأفعال بشأنها، فقد أعلن أعضاء من التحالف الوطني أنها أصبحت جاهزة ببنودها الثمانين وستأخذ سياقها التطبيقي وفقا لسقوف زمنية معينة، لكن المفارقة الغريبة أن الكثير من شركائهم  في العملية السياسية أكدوا أنهم لم يطلعوا على تلك الورقة، فيما أكد آخرون أنها لم تكتب لحد هذه اللحظة، وأنها مجرد "ورقة" لكسب الوقت ومحاولة لتذويب الأزمة وليس حلها، لكونها عبارة عن مجموعة من الأفكار وليست نصوصا مكتوبة. وقد أثبتت الأيام  صحة هذا الرأي.
وبعد ورقة الإصلاح، والورقة الخضراء، هل ستدخل حياتنا أوراق جديدة؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

العراق يقلص صادراته النفطية واستهلاكه المحلي
اقتصاد

العراق يقلص صادراته النفطية واستهلاكه المحلي

بغداد/ المدى أعلنت وزارة النفط، اليوم الجمعة، تخفيض وتقليص صادرات العراق من النفط الخام وتقليل استهلاكه المحلي. وذكرت الوزارة في بيان، تلقته (المدى)،: "تماشياً مع التزام جمهورية العراق بقرارات منظمة أوبك والدول المتحالفة ضمن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram