TOP

جريدة المدى > اقتصاد > الديمقراطية العرجاء

الديمقراطية العرجاء

نشر في: 29 ديسمبر, 2012: 08:00 م

محمد عبد الأمير عبد

الديمقراطية كما هو معروف في كل العالم تعني قطبين ،الأول حكومة والثانية معارضة ، ولكن المشهد (( الديمقراطي ) في العراق لا يعمل وفق هذه المعادلة ، بل يميل لتغييب المعارضة البرلمانية ، وهذا الغياب يعني أن الديمقراطية في العراق تسير بقدم واحدة وهي عادة تسقط كثيرا في مسيرتها بسبب إهمال القدم الثانية .
وعندما تغيب المعارضة السياسية بمفهومها المعروف والمتداول في الدول الديمقراطية، تصبح منظمات المجتمع المدني والنخب الثقافية هي المعارضة الحقيقية في الشارع وقوة الضغط الرئيسية القادرة على أن تلعب دوراً رئيسياً ومهماً في بلورة وصناعة ما يمكن أن يكون ( معارضة شعبية ) لها نفوذ قوي وسلطة تهيمن على مجمل الشارع في البلد .
في الوقت الحاضر نحن في العراق لم ندخل بعد نادي الديمقراطية بمعناه الواسع الذي يمثل قطب الحكومة وقطب المعارضة وما زلنا ديمقراطية ناشئة نتلمس الخطوات بحذر ويتجنب بعضنا مقاعد المعارضة بل البعض هذا يتطير من اسم المعارضة لأنها عادة ما تربط في عالمنا العربي بالنفي والقمع وفي أحسن الظروف بالتهميش والانزواء ،وهذا يمثل خللاً كبيراً في العقلية السياسية العراقية وربما العربية عدم نظرتها القاصرة للمعارضة في إطار الدستور والشرعية  ، وهذا ما يشكل خللا في البناء الديمقراطي يؤثر بشكل كبير جدا على حقوق الشعب ، ويسعى لـتأسيس نظام سياسي أشبه ما يكون بالشمولية في جوانب عديدة منه، بل يتعداه ليشكل دولاً داخل الدولة الواحدة .
والذي يمكنه قراءة المشهد السياسي العراقي سيجد أن الأحزاب والكتل السياسية المهيمنة على البرلمان العراقي تشكل أكثر من 85% منها الحكومة وما تبقى هامش لا يمكن أن يكون معارضة مؤثرة يحسب لها الحساب ، وبالتالي تفقد الديمقراطية أحد أبرز ركائزها متمثلة بالمعارضة التي هي تمثل ( الرأي الآخر).
لهذا وجدنا أن منظمات المجتمع المدني أخذت تتحرك -كما قلنا -استطاعت أن تشكل قوة لا يستهان بها لتحقيق ما تريده بعيدا عما قيل عنها من إنها محاولة لتقليد النموذج التونسي أو المصري ، أو حتى مجرد التظاهر لكي تبرز ذلك وسائل الإعلام ، بل يمكننا القول بأن هذه التظاهرات المنظمة والسلمية تؤكد جملة من الحقائق التي لا يمكن تغافلها ،وفي مقدمتها أنها انطلقت من واقع صعب يعيشه المجتمع العراقي ليس من خلال نقص الخدمات الضرورية فقط وإنما لأن هذا النقص في الخدمات ليس بسبب عدم توفر التخصيصات المناسبة في موازنة الدولة،بل هو بسبب الفساد الإداري الكبير الذي تعانيه الدولة العراقية وينعكس ذلك على حياة المواطن بشكل سلبي،وهذا الانعكاس يصل حد التلاعب في الأمن الغذائي للمواطن، وهو جانب مهم لم ينتبه له أحد من قبل،ناهيك عن الجانب الصحي والتربوي وحتى مستوى الرفاهية الذي يجب أن يتحقق في دولة موازنتها السنوية أكثر من 100 مليار دولار إذا ما أردنا أن نحسبها بدقة وفق صادرات النفط وسعر البرميل الخام المتصاعد وما زالت تعاني من مشاكل تقليدية كأزمة الكهرباء وتفاقم البطالة عند الخريجين، والفوارق الكبيرة في الرواتب بين المسؤولين وموظفي الدولة، والتقاطعات الكبيرة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية خاصة ما يتعلق منها بتنفيذ مشاريع الخدمات .
علينا أن نعترف بأن هنالك مشاكل كبيرة نعانيها، وربما تصور البعض سواء من المسؤولين أو المثقفين بأن النظم الديمقراطية محصنة من الانتفاضات بحكم مشروعية وجودها المكتسب من صناديق الاقتراع،وقد يكون هذا صحيحا فيما لو تفاعلت هذه الحكومات المنتخبة مع احتياجات شعبها في حدود ما مطلوب منها في كل مرحلة من مراحل بناء الدولة ، خاصة وأننا نحتاج الكثير لكي نصل لدرجة أقرب ما تكون للتكامل في عملية البناء التصاعدي للدولة كانسان ومؤسسات وأنظمة وقوانين .
لذا وجدنا أن منظمات المجتمع المدني والشخصيات الثقافية والصحافة الحرة أخذت دورها في تنظيم الحياة السياسية في البلد بعيداً عن التخندق مع هذا الطرف أو ذاك ، ولكن إلى متى تظل الديمقراطية في العراق عرجاء؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

العراق يقلص صادراته النفطية واستهلاكه المحلي
اقتصاد

العراق يقلص صادراته النفطية واستهلاكه المحلي

بغداد/ المدى أعلنت وزارة النفط، اليوم الجمعة، تخفيض وتقليص صادرات العراق من النفط الخام وتقليل استهلاكه المحلي. وذكرت الوزارة في بيان، تلقته (المدى)،: "تماشياً مع التزام جمهورية العراق بقرارات منظمة أوبك والدول المتحالفة ضمن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram