علي نافع حمودي
الديمقراطية تكفل الحريات بجميع أشكالها وفي مقدمتها حرية الصحافة ووسائل الإعلام السمعية والبصرية والالكترونية ، حيث تلعب وسائل الإعلام المختلفة دورا مهما في كل مراحل التنشئة السياسية ، والمشاركة السياسية عن طريق ما تنشره وتبثه من أفكار وقيم واتجاهات بشكل مبسط وجذاب مما يسهل تأثيرها على المتلقي.
هكذا يتركز دور الإعلام أساسا في تمكين المواطن من فهم ما يجري حوله ، وتنمية قدراته للمشاركة السياسية باعتبارها حقا وواجبا ،وهنا تكتمل رسالة الإعلام في أسمى أدوارها بتوزيع تلك الأدوار بين الكلمة المكتوبة والمسموعة والمرئية ليتحقق مردود إعلامي أقوى وأفضل وأشمل يخاطب الضمير والوجدان جنبا إلى جنب مخاطبة العقول ويترجم مشاعر الولاء الوطني إلى إرادة سياسية تدفع المواطن إلى الانخراط في المجتمع والاندماج فيه بغية تحقيق أعلى مراحل المشاركة المجتمعية ككل والمشاركة السياسية على وجه الخصوص. ونجاح الإعلام في هذه المسؤولية يكتمل بمخاطبة مختلف قطاعات وفئات المجتمع وأيضا فئات المستقلين الذين لا ينتمون إلى أحزاب ،ويتحقق هذا بدور الإعلام في بلورة ثقافة سياسية ترسخ قيم الممارسة الديمقراطية وتروج قيم التسامح الفكري وقبول الآراء ووجهات النظر الأخرى في إطار الحوار البناء لإحداث التفاعل الخلاق بين الرأي والرأي الآخر في إطار المصلحة العليا للمجتمع. لهذا نجد أن واحدة من مهام الإعلام في العراق الجديد هو أن يكون مساندا قويا للديمقراطية والترويج لها وخلق الأرضية والقاعدة الشعبية لكي تتقبل وتتفهم حجم التغيير الذي حصل في العراق بزوال نظام الحزب الواحد والانتقال إلى مرحلة التداول السلمي للسلطة عبر ممارسات ديمقراطية غابت كثيرا في ظل النظم الشمولية ووسائل الإعلام في أي مجتمع هي المسؤولة عن صياغة و نشر و توزيع الأخبار و المعلومات و الأفكار و الآراء, و بالتالي تصبح من أهم الوسائل الفاعلة في أي مجتمع لتغيير القيم والاتجاهات و لتعزيز أي سلوك إيجابي و تكريسه, و تهميش أي سلوك سلبي في نفس المجتمع. ،وهذه المهمة تحتاج إلى قدرات إعلامية كبيرة لكي تقتلع الأفكار والمفاهيم السابقة التي زرعتها النظم الشمولية واستبدالها بمفاهيم جديدة تبدو للوهلة الأولى غريبة وغير مقبولة كمفهوم التعددية والانتخابات والمشاركة الشعبية في السلطة وحتى مصطلح مؤسسات المجتمع المدني وغيرها إضافة إلى مخرجات العملية الانتخابية ومفاهيمها بدأ من مصطلح التوافقية مرورا بالأغلبية السياسية وصولا إلى حكومة شراكة وطنية ، كل هذه تحتاج إلى قدرات إعلامية تستطيع إيصالها بالشكل السليم والصحيح للمواطن بمختلف مستوياته الإدراكية في محاولة لتحريره من مخلفات النظام المباد خاصة الفكرية منها ، ناهيك عن عوامل أخرى، في مقدمتها إن ما حدث في العراق من تغيير لم يكن تغييرا سياسيا فحسب بل شمل كافة ميادين الحياة ،لذا فإن واجبات الإعلام العراقي ،ونقصد به هنا إعلام الدولة كانت كبيرة جدا في ظل توفر وسائل إعلامية أخرى تروج بالاتجاه المعاكس ، ومع هذا وجدنا إن الإعلام الوطني ظل متمسكا بثوابته منتهجا أسلوب إشاعة المفاهيم الديمقراطية في المجتمع ومتبنيا الكثير من القضايا ،وفي مقدمها قضايا حقوق الإنسان والمرأة , وعمل بشكل رئيسي في مساندة طروحات المصالحة الوطنية معززا بذلك دور الدولة الساعية إلى تثقيف الشعب وفق الرؤية الصحيحة في البناء الفكري بما يؤمن إيجاد الأرضية الكافية لتعزيز دور الديمقراطية كممارسة ونهج ثابت في الحياة ،وأيضا اضطلع الإعلام العراقي بمهمة مواجهة الإرهاب وتعريته على كافة المستويات ،وهذا ما جعل الكثير من المؤسسات الإعلامية العراقية تتعرض لهجمات إرهابية بسبب مواقفها من الإرهاب وإدانتها لهم وفضحهم ،وكذلك نجح الإعلام العراقي في صياغة عقلية عراقية جديدة تمتلك مقومات النجاح عبر إشاعة مفاهيم الديمقراطية ومصطلحاتها وتثقيف الناس عليها . ويجب أن يعرف الجميع بأن دور الإعلام هو دور مكمل لباقي الجهود ، و لا يمكن النظر له بمعزل عن باقي العوامل و المتغيرات التي تؤثر بالمجتمع ،فكما هو مساند قوي لعملية البناء ،فإنه أيضا يحتاج إلى من يسانده في بلورة ما يطرحه من أفكار بنائه ،وفي مقدمة المطالبين بتعزيز هذا الدور هي منظمات المجتمع المدني والمؤسسات التربوية التي بإمكانها أن تروج وتشيع ثقافة الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان في المدارس والمؤسسات الأخرى .