متابعة/ المدىبحسب أكاديميين في علم السياسة، فانه لا يمكن لأية تجربة ديمقراطية مستدامة أن تقوم من دون مؤسسات المجتمع المدني من خلال الدور الأساسي الذي تضطلع به في التنشئة السياسية للمجتمع من جهة، والرقابة على السلطات في الدولة من جهة ثانية، لتكون صماما في أي بلد يعتنق الديمقراطية، ومن هذا المنطلق ولدت "المبادرة المدنية للحفاظ على الدستور في العراق". ويعترف العديد من رؤساء وأعضاء من منظمات المجتمع المدني والعاملين في مجال حقوق الإنسان بأن تأسيس "المبادرة المدنية للحفاظ على الدستور" يمثل فعلا مدنيا ذا طابع ريادي في مجال الدفاع من حقوق الإنسان في العراق بعد أن بدأت مؤشرات يصفها الكثير من المراقبين بالخطيرة نحو تعرض المنجز الديمقراطي في البلاد إلى الخدش.
ومع انتهاء الانتخابات التشريعية التي جرت أطوارها في آذار من العام الماضي حملته من أحداث دراماتيكية انعكست على الوضع السياسي والاجتماعي، انفتح العراق بحسب مراقبين على أوضاع جديدة لا تخلو من المخاطر بعد الخروقات المتكررة التي مارستها الكتل السياسية للدستور.وسجل المشهد السياسي خلال الشهور الماضية، بحسب منظمات في المجتمع المدني، عددا من حالات الخرق الدستوري بدءا مع إبقاء جلسة البرلمان مفتوحة لعدة شهور ومحاولات تطويع نصوص دستورية في خلق مناصب جديدة"، كالمجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية" وغيرها من القضايا التي باتت تسيطر على المشهد السياسي الحالي.ونقلت وكالة "بغداد بوست" عن الناشطة في مجال حقوق الإنسان ورئيسة منظمة "أمل" هناء أدور قولها "إن الوضع السياسي والاجتماعي في العراق يشهد خلال هذه الايام وما سبقها جملة من الخروقات الدستورية والقانونية باتت تهدد الأجواء الديمقراطية في البلاد"، مشيرة إلى ضرورة أن "تأخذ منظمات المجتمع المدني دورها الجدي في هذه المرحلة".وتشير أدور إلى أن "العملية السياسية في البلاد دخلت في آفاق جديدة وخطيرة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة في البلاد بعد أن كشفت العديد من الثغرات القانونية والدستورية وغلبة الإرادة السياسية على القواعد القانونية وتطويعها لصالح مكاسب شخصية".وتوضح أن "الخرق الدستوري الذي بدأ بعد إعلان نتائج الانتخابات بجعل جلسة البرلمان مفتوحة إلى إشعار آخر من دون أي غطاء دستوري حفز إلى العديد من الخروقات الدستورية، وهو ما دفع العديد من منظمات المجتمع المدني العاملة في العراق إلى الوقوف على ذلك وهو ما أدى إلى ولادة تكتل مدني أطلق عليه المبادرة المدنية للحفاظ على الدستور لتكون جهة رقابية على سلطات الدولة في حال خرقها للدستور".وتشكلت العديد من التكتلات المدنية لوقف الخروقات الدستورية ومراقبة أداء الحكومة مثلا تشكيل المبادرة المدنية للحفاظ على الدستور في آب من العام الماضي من (15) منظمة مجتمع مدني أبرزها "منظمة أمل" و"شبكة تموز" و "تجمع العراق 2020" ومنظمة "المرأة الديمقراطية" لتبدأ حملة مدنية واسعة ضد قرار تعطيل البرلمان وقرار رئيسه المؤقت فؤاد معصوم بجعل الجلسة الأولى للبرلمان مفتوحة إلى إشعار آخر".وبعدها تشكل مشروع "الرصد المدني" الذي يضم تكتلا واسعا من منظمات المجتمع المدني ويهدف إلى مراقبة السلطة التنفيذية بجميع فروعها الوزارية والحكومية.من جانبه، يشير رئيس منظمة "تجمع العراق2020" علي العبنوري ورئيس اللجنة التنسيقية للمبادرة المدنية للحفاظ على الدستور إلى أن "تحقيق الديمقراطية ونجاحها يتطلب أن يكون لمنظمات المجتمع المدني دور أساسي في هذه العملية، كما ان هذه المنظمات لا يمكن لها أن تعمل إلا في ظل أجواء ديمقراطية "ويلفت إلى أن "العلاقة التي ترتبط بين نشوء وتطور المجتمع المدني والممارسة الديمقراطية تجعل من الصعب الكلام عن أولوية احدها على الآخر، فليس هناك ممارسة للديمقراطية بدون حد أدنى من القدرة على الانتظام حول أفكار ومصالح وغايات محددة"، مضيفا أن "نشوء وتكوين مجتمع مدني في غياب الحد الأدنى من حرية القول والتعبير والتجمع والانتقال والانتظام هو أمر غير ممكن. فهذه المنظمات يمكن لها أن تلعب دورا محوريا في تنظيم العلاقة بين المجتمع والدولة في العراق".ويستدرك العنبوري بالقول إن "ما يصعب مهمة منظمات المجتمع المدني في نشر الوعي الديمقراطي في العراق، هو انخفاض الوعي الديمقراطي على المستوى السياسي والشعبي من جهة وصعوبة إنعاش هذا الوعي في ظل الظروف التي يعيشها المجتمع العراقي حيث العنف بأعلى درجاته واقساها، وبطالة مخيفة وليس من السهولة التغلب عليها من جهة ثانية".ويعزو العنبوري غياب الوعي لدى فئة كبيرة من الشعب العراقي حول القضايا السياسية الرئيسية المتركزة حول الحكم والسلطات وتوزيع الأدوار هو ما دفع عددا من منظمات المجتمع المدني إلى تشكيل "المبادرة المدنية للحفاظ على الدستور"، للقيام بدور مهم في ترجمة الخروقات التي تمارس على الدستور وأسس الحكم والديمقراطية المعقدة إلى المجتمع العراقي بشكل مبسط لحشد التأييد والضغط لإيقافها".
منظمات المجتمع المدني تسعى لتعديل الخروقات الدستورية
نشر في: 15 أغسطس, 2011: 08:49 م