TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عين: مصيبة الصمت

عين: مصيبة الصمت

نشر في: 15 أغسطس, 2011: 09:23 م

 عبد الخالق كيطانالسبب الرئيس في صعود صدام حسين، الشخص والديكتاتورية، في تقديري، كان بسبب صمت الناس على ما ارتكب من جرائم عندما كان نائباً. معلوم أنه واجه الأصوات "النشاز" بالنسبة إليه، بالمقاصل حيناً والمنافي حيناً آخر، ولكن السمة العامة كانت تقول إن الخوف من بطش السلطة دفع الناس إلى السكوت.
مرّ هذا الشريط في خاطري وأنا أتابع مجريات قضية فساد الكهرباء الأخير، وأقصد تعاقد العراق مع شركتين بملايين الدولارات تبيّن أن واحدة منهما لا وجود لها على أرض الواقع والثانية كانت أعلنت إفلاسها قبل توقيع العقد مع العراق. وبحسن نية بالغ أفترض أن من وقّع العقدين ليس شخصاً بعينه، بل منظومة متكاملة فيها العشرات إن لم يكن أكثر، تبدأ بمن فكّر بالعقد، ومن بحث عن جهة للتعاقد، ومن رشح الجهات والشركات، ومن دخل في مفاوضات معها، ومن قرر أو أشار بضرورة أن نتعاقد مع هذه الشركة وليست تلك، ومن ركب الطائرة وذهب إلى بلدان تلك الشركات، ومن عمل بحوثاً ميدانية على أعمال الشركات المتقدمة للتعاقد، ومن بحث في أصولها، ومن تناول وجبة غداء بروتوكولية مع مدرائها، ومن بشّر مديره الأعلى بقرب إنجاز العقود، ومن خرج إلى الجمهور العراقي، المسلوق بسبب حرارة الجو وانقطاع الكهرباء المزمن، ليبشّره باقتراب الفرج، ومن حلّل وصفق وناقش وتأمل وشرح بنود العقود، وأخيراً من وقع عليها. وكما ترون، فهذه سلسلة طويلة من البشر، أكثرهم يعملون في الدوائر الرسمية بعناوين مختلفة، رئيس وزراء، ووزراء ومدراء عامين وخبراء ووكلاء وزراء وسكرتارية وباحثين وعمال انترنت... الخ.. فهل يجوز بعد ذلك أن نقول أن السيد وزير الكهرباء رعد شلال هو المسؤول مباشرة عن هذين العقدين المخزيين؟ولكن ما الربط بين شريط "أبو عدي" وشريط أبو كهرباء؟ عندي الربط واضح جداً. فالسكوت على الجرائم التي ترتكب يومياً في البلاد بحجج مختلفة سيقود إلى ظهور صدام جديد، وسيكون صدامنا الجديد، كما أعتقد، أكثر شراسة بمئات المرات من صدامنا القديم، والسبب أن هذا الجديد سيكون مدعوماً بالنظام الديمقراطي الذي سمح بصعود أشخاص تزكيهم أحزابهم بدون أي مؤهلات سوى مؤهلات القرابة. ففي النظام الديكتاتوري نحن نعلم جملة مفيدة واحدة: هذا ديكتاتور لا أحد يستطيع أن يقف بوجهه، أما في النظام المسمى ديمقراطياً فإن الحاكم يمتلك تفويضاً من مختلف الكتل والأحزاب المشاركة في اللعبة معه، وبالتالي، فهو ديكتاتور تمت دمقرطته!الواضح جداً في هذه القصة، وخصوصاً تراكم حالات الفساد وبمشاركة ودعم وحماية من كبار المناصب في الدولة العراقية، إننا بدأنا نعيد إنتاج الرواية ذاتها: نخب تتحكم بمقدرات البلاد، فتسرق وتقتل وتثري، مقابل حشود من أبناء شعبنا الذين يكتفون بالفرجة، أو توجيه النقدات اللاذعة في "الكيات" و"الكوسترات" ويدخنون بعدها السجائر. من أول واجبات منظمات المجتمع المدني والصحافة في هذه البلاد التي تريد توديع سير الديكتاتورية، هو الوقوف بحزم وشجاعة ضد من يريد سرقة المستقبل. التستر على المفسدين وسرّاق المال العام يجب أن لا يكون منهج عمل الجميع. فما حدث في وزارة الكهرباء مؤخراً فقط يمكن أن يطيح بدول ووزارات وشخصيات لو حدث في أي بقعة من بقاع العالم، أما أن تستمر القصص من هذا النوع وكأن شيئاً لم يكن في بلادنا، فهو شهادة تسليم وتسلم مضبوطة ومحكمة: أن اقبلوا بما يجري لكم، فأنتم بسكوتكم تعوّدون السلاطين على البقاء... والسرقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram