TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > منطقة محررة :الزوجة الخائنة التي لم تخن

منطقة محررة :الزوجة الخائنة التي لم تخن

نشر في: 17 أغسطس, 2011: 05:33 م

 نجم والي كأنها في ظهورها الأول على الشاشة وبالطريقة المستفزة تلك، أرادت أن تثبت، أن ما نراه على الشاشة هو التمثيل حقاً، فإن تمثل أحداهن دور الشريرة، لا يعني أنها شريرة، أو أن تمثل دور الطيبة، لا يعني أنها الوديعة التي لا تؤذي، صحيح أن الحقبة التي عاشت فيها كانت أكثر انعتاقاً من الناحية الاجتماعية،
 حوت على فسحة من الحرية، لم تعشها مجتمعات الشرق لاحقاً، إلا أن الفتاة ذات الأم المصرية، والأب الضابط في الشرطة ذي الأصول التركية، ذهبت بالتحدي إلى أبعد مداه، وقبلت أن تمثل ما لم تقبل تمثيله ممثلة أخرى من زميلاتها، تمثيل دور الزوجة الخائنة في فيلم: "اعترافات زوجة". "هذه المرأة خانت زوجها"، بتلك الجملة التي تصدرت الملصقات تلك التي انتشرت في شوارع المدن العربية تحمل صورتها المرسومة بالكيتش، قدمت الفنانة الشابة نفسها للعالم في أول حضور شعبيّ كبير لها في أواسط الخمسينات، ومثلما أدهشت الجيل الذي سبقنا، جيل أبي مثلاً، ظلت مدهشة على مر الأجيال، وأقول مدهشة، وأقصد بكل ما فعلته بعد ذياع صيتها، سواء بأداء أدوارها السينمائية، أم بحياتها الاجتماعية، ففي السينما، لم تكن فقط "مارلين مونرو" الشاشة العربية، كما لُقبت بحق أو بدون حق، ربما للشبه الواضح بينها وبين الممثلة الأميركية التي ماتت منتحرة، أو ربما لأن السينما المصرية وفي تقليدها لسينما هوليوود آنذاك، عوضت عن كل ممثل هوليوودي ببديل مصري له، بل لأنها تنوعت بأدوارها التي قدمتها للسينما، فمثلما لعبت دور الشريرة، أو الزوجة الخائنة، لعبت دور الفتاة الطيبة، حتى الأدوار الكوميدية لم تتردد من تأديتها، وفي كل أدوارها تلك، كان حضور هند، أو "هنومة" كما في أقوى أدوارها التي ظهرت فيها في فيلم يوسف "باب الحديد" (الذي تنافس على السعفة الذهبية في مهرجان برلين السينمائي لعام 1958)، مشعاً، أنيقاً مليئاً بالجمال. وبالذات في فيلم باب الحديد، كما في الفيلم اللاحق "صراع في النيل"، عرفت هند رستم كيف تخاطب المشاهد الجالس في الصالة، إنها الغواية المعلنة، لكن ليست سهلة المنال، لا كاميرا ترعبها، ولا ممثلين زملاء لها بقوة عمر الشريف أو شكري سرحان، رشدي أباظة أو يوسف شاهين، طالما هي تتحرك بقامتها، بكل ما حوته من إيقاع: لا تخاف.في "غزل البنات"، أول فيلم لها، ظهرت فيه بدور ثانوي قصير، سألها عزالدين ذو الفقار الذي كان مساعد مخرج آنذاك، بعد التصوير، إذا كانت تلك هي أول مرة تقف فيها أمام الكاميرا؟ قالت، نعم، فسألها: ألم تخافي؟ فقالت، "مم أخاف، وهذه الكاميرا مجرد قطعة حديد"، وهو جوابها ذلك الذي شجع المخرج على أن يسند لها أول دور بطولة لها في "الجسد"، كانت واثقة من نفسها، من حركة جسدها بكل حيويته وجماله وانطلاقته، سواء عندما ترقص، كما ظهرت في أول دور لها لمدة دقيقتين في المجاميع التي رقصت خلف ليلى مراد وهي تغني "اتمختري يا خيل" في فيلم "غزل البنات"، أو عندما تمثل، صفتين أتقنتهما بقوة، فإذا عرفت ماجدة بغواية صوتها، وفاتن حمامة ببراءة وجهها، وشادية بصفتها الدلوعة التي لا تؤذي، فإن هند رستم حضرت بجسدها، بكل أناقته ورقيه، كانت الوحيدة من زميلاتها الممثلات التي صورتها الكاميرا بطول قامتها، بحركة جسدها، بكل شجاعته،وهي ثقتها هذه أيضاً، وليست غيرها، التي جعلتها تقبل أن تظهر بالصورة المتحدية تلك: الزوجة الخائنة، ربما ظن الناس في البداية، أن فتاة مثلها لابد من أن تسقط في شرك الغواية، وتصبح بالفعل "الزوجة الخائنة"، كما في الفيلم، لكن المرأة هذه جعلتهم يُدهشون من جديد، حسن رضا المخرج المشهور والذي ساعدها في مشوارها السينمائي الأول، كان زوجها الأول، أنجبت منه بنتها "بسنت"، والدكتور محمد فياض الذي رافقته حتى وفاته قبل سنوات كان زوجها الثاني: لاغير.  هند رستم التي كانت استثنائية حتى في اعتزالها، عندما قررت ترك التمثيل وهي في قمة مجدها في عام 1979 (سارت بهذا الشكل على خطى ممثلة ألمانية أسطورة تشبها مارلينا ديتريش، أو "الملاك الأزرق"، كما كان لقبها في الفيلم المأخوذ عن رواية لهاينريش مان)، أو عندما رفضت التمثيل في التلفزيون، كانت أيضاً استثنائية في حياتها الاجتماعية، العديد من زملائها الفنانين والفنانات فهموا بالفن وحرية حياة الفنانين، العيش بحياة فاضحة، والتنقل من حضن إلى آخر،أخبار خياناتهم "الزوجية" ملأت صفحات مجلات القلب في ذلك الحين، مثل مجلة الشبكة والموعد والكواكب (من يتذكر المجلات هذه؟)، إلا هي هند رستم،مجتمع السينما المصري لم يلفها معه في دوامة الانحرافات والتجارب الغرامية الفاشلة أو الكارثية التي عاشها وما يزال. كانت في جميع أفلامها الـ 71، حاضرة بشخصيتها، بنبلها، نظرت للفن بصفته مهنة مثل بقية المهن، الفصل بين المهنة والحياة الخاصة، كأنها بهذا الشكل، ابنة مدينة أوروبية، لا شرقية، أو كأنها ظلت مخلصة إلى محل مولدها ونشأتها الأولى، الإسكندرية، بكل ما حواه من تنوع متوسطي "أوروبي"، قبل أن يقضي عليه العسكر بكل ما حملوه معهم من قرو

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram