زهير كاظم عبود أكدت المادة ( 14 ) من الدستور العراقي على المساواة بين العراقيين ، وهذه المساواة تتجاوز أي شكل من أشكال التمييز سواء كان بسبب جنس الإنسان أو عرقه أو قوميته أو أصله أو لونه أو دينه أو مذهبه أو معتقده أو رأيه أو وضعه الاقتصادي أو مركزه الاجتماعي .
ووفقاً لهذا النص يتساوى العراقيون في الحقوق والواجبات وفقا لمواطنتهم التي جعلها الدستور الأساس الذي ترتكز عليه فكرة المساواة، وهذه الفكرة السامية تمثل إلى درجة كبيرة مقدار الوعي والتطور في المجتمع الذي يجسد هذه المساواة ويؤمن بها عمليا ويمارسها على أرض الواقع، وهي الإقرار بحق الآخر في الحياة والمشاركة الفعلية في الحياة السياسية، وهذه المساواة ركيزة من ركائز الممارسة الديمقراطية في العراق، ولبنة أساسية لبناء أركان دولة متينة وتعتمد الأسس القانونية، ومساهمة أكيدة لتذويب الفوارق الناشئة من السياسات الخاطئة التي مورست بحق أبناء العراق من أهل الديانات الأخرى غير الإسلام. وإذا كانت فكرة المواطنة بحد ذاتها محور المادة (14) من الدستور أكدت أن ((العراقيين)) جميعهم مواطنون مجردون من كل ما يميزهم من الفوارق والتمايز يتساوون في الحقوق ، لأن قصد المشرع كان في تطوير فكرة المواطنة التي تستند إلى التساوي في الحقوق والواجبات ، والارتقاء بالمعاني الإنسانية لهذه المواطنة التي يتمتع بها الجميع ، وصولا إلى شراكة حقيقية تلتزم الدولة بتوفير ما أقره الدستور من الحقوق لجميع المكونات العراقية لتدفع باتجاه تأسيس رصين لبناء دولة القانون التي لاينسجم معها تهميش أو تمييز بين أي من تلك المكونات ولأي سبب كان . وشعور المواطن بتوفر الأجواء والمناخ الذي يقنن هذه الحقوق بالتساوي بين العراقيين يجعله يؤكد معنى المواطنة ويستوعب علاقته بالوطن ويؤمن حقا بمواطنته الكاملة، وهذه العلاقة تنسجم مع المشاركة الحقيقية والمساهمة في بناء الدولة دون تمييز أيضا تأكيدا على مبدأ المساواة التي جاء بها الدستور وتؤكدها ضروريات البناء المستقبلي للعراق من خلال المكونات البشرية المتعددة التي يتكون منها المجتمع العراقي . كما أن الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها لايكون إلا وفقا للقانون ، بمعنى أن الأصل توفير كامل أجواء المساواة في الحقوق للعراقيين مالم يتم تقييد أو منع قسم من هذه الحقوق وبمقتضى قوانين نافذة ودستورية ولها المبرر المنطقي والمقبول والمعقول ، وقد أكدت المادة ( 46 ) من الدستور مرة أخرى على أن تقييد الحقوق والحريات لايكون إلا بقانون على أن لايمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية. العراق بلد متعدد الاديان والقوميات والمذاهب، ومن خلال الإقرار بهذا التعدد جاء نص الفقرة ثانيا من المادة الثانية من الدستور بان الدستور ضامن لكامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية للمسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين ، وان أتباع كل ديانة من هذه الديانات العراقية القديمة احرار في ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية وتكفل الدولة حماية أماكنهم الدينية . هذه الحرية التي أقرها الدستور تعني أن تلك الديانات لها أعيادها الدينية الخاصة التي ربما لم يتعرف عليها جميع أبناء العراق لأسباب عديدة من بينها أن السلطات المبادة تعمدت عدم الإقرار بتلك المناسبات انسجاما مع عدم إيمانها بحقوق أهل تلك الديانات ، وهذه الأعياد تمارس فيها الطقوس الدينية التي تمليها عليهم دياناتهم وأعرافهم الدينية ، غير أن المشرع العراقي لم يعالج حتى اليوم قضية العطل الرسمية والأعياد الدينية لتلك الديانات . ويمكن أن يكون أتباع الديانة الأيزيدية والمندائية أكثر من يتلمس تلك المعاناة بعد أن أقرت حكومة إقليم كردستان العراق تلك الأعياد والعطل الرسمية للأيزيديين في مناطق الإقليم ، حيث تم اعتبار أربعة أعياد دينية من سبعة عطلة رسمية في الإقليم ، وأن الأعياد الأربعة التي وافقت عليها حكومة الإقليم كعطل رسمية للأيزيديين عيد رأس السنة الأيزيدية وعيد جما وعيد صوم أيزي وعيد أربعينية الصيف ، في حين بقي المدن الواقعة تحت مظلة الحكومة المركزية بانتظار تجسيد مبدأ المساواة وتفعيل إقرار قانون يجسد تلك المناسبات . وتوجب فكرة المساواة والالتزام بنصوص الدستور أن نقرلتلك المكونات بأعيادها الدينية ، وأن يتم تشريع قانون بتلك الأيام واعتبارها من العطل الرسمية لأتباع تلك الديانات ، وإذا كان الدستور منصفاً ولم ينف أو يلغي الأعياد الدينية لغير المسلمين ، يترتب على السلطة التشريعية أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار لتحدد تلك الأيام الدينية عطلا رسمية لأتباع تلك الديانات ضمن قانون العطل الرسمية والمناسبات الدينية ، تعبيرا وتجسيدا عمليا لمبدأ الإقرار بحق الآخر وعملاً بأحكام الدستور العراقي النافذ .
المساواة فـي الدستور العراقي
نشر في: 17 أغسطس, 2011: 06:24 م