TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > على هامش الصراحة ..كل خميس ..استذكاراً لصراحة (أبو كاطع)

على هامش الصراحة ..كل خميس ..استذكاراً لصراحة (أبو كاطع)

نشر في: 17 أغسطس, 2011: 06:25 م

 إحسان شمران الياسري قضية حمزة الخلف لقد ورد في رواية أبو كاطع (قضية حمزة الخلف) العديد من المشاهد الناطقة التي تحكي قدرة الكاتب ودقته في وصف البيئة وشخوصها.. وكان من أجملها ذلك التقرير الذي كتبه رقيب الامن عن حمزة الخلف.. وهو يواصل متابعة حمزة الخلف من الفندق الى الكراج:
(1)غادر المكان مكتئباً، موزعاً شتائمه، بالتساوي على المنتفعين بالإصلاح الزراعي، وعلى من وضع أول حجر للإصلاح الزراعي في هذه المنطقة، ولم يعف نفسه من المسؤولية عن كل هذه التعقيدات.. وأعاد الملامة.. وعدَّ النقود.. وفكر بشراء (مرصعة) لولده الصغير مجبل. مرّ بالسوق فاشترى رغيفين وشدة فجل.. خجل أن يأكل في مقهى السعادة، فقصد فندق حسون بعيوي، وهو يخفي الخبز وشدة الفجل تحت عباءته على نحو مُلفت للنظر.    بعد الغداء صلى على عجل.. ونزل قاصداً المقهى ليشرب الشاي، ثم يتوجه الى الكراج.بين الفندق والمقهى كان يترصده (خبير الأمن) الجديد، المنقول تواً لتعزيز أمن المدينة، بعد أن أشيع عنها وعن ريفها خصوصاً، بأنه موبوء بالغرباء. وقد أخذ خبير الأمن على نفسه عهداً بإثبات الوجود أمام كبار المسؤولين.. وذلك باتباع أساليب حديثة. وكانت هيئة حمزة مثيرة للفضول وهو يخفي الفجل والخبز تحت عباءته، وبدا للخبير وكأنه يتحاشى مواجهة بعض المارة.. ولذا فقد استهل الخبير عمله بكتابة ذلك التقرير الدقيق: (.. طويل القامة، رشيق متناسق.. له وجه بيضوي، شاحب قليلاً، لولا ذلك الشحوب لصح وصفه بالحنطاوي. عيناه زرقاوان، ثاقبتان مثل عيون الصقور، يظللهما حاجبان كثيفان، ولهما اهداب عليا طويلة خلافاً للجفنين السفليين، اللذين احمرا وتهدّلا قليلاً وتناقص شعرهما، وهذا يعود في رأيى إما لإفراط في القراءة أو سياقة ليلية متواصلة أو إكثار من شرب البيرة، وأترك التقدير لسيادتكم.. له أنف مُحدودب رفيع، لا يتطابق تماماً ومواصفات الأنف العربي. يترك من شاربيه ما استعصى على المقص. ومع أنه في العقد الخامس، كما أخمن، لكن حيويته تتحدى الشباب، بمعنى أنه منتصب القامة، ثابت الخطوات، كما لو أنه صرف من عمره الكثير في القوات المسلحة. يصّوب نظراته لأبعد نقطة ثم يعود بها الى حيث هو كأنما يقيس المسافات والأبعاد بالسنتمتر.. وباختصار غير مخل، فإن له نظرات مريبة مرتابة.    ينتعل حذاءً مطاطياً أسود - وهذا لا قيمة له في التقرير لكن قدميه يلفتان النظر لصغرهما. يلبس عباءة سوداء، من نسيج اطلس رخيص، ويرتدي (زبوناً) رصاصيا مقلما بالأسود، وسترة سوداء قماشها وفصالها وخياطتها أجنبية. قميصه أبيض، بلا ياقة، متسخ قليلاً، يشماغه اعتيادي، وعقاله رفيع، شأن الفلاحين في المنطقة.. لا شيء ملفت للنظر بهذا الخصوص. اتخذَ مكاناً في ركن مقهى السعادة فجلستُ ظهيراً له. طلب شاياً، ثم راح يصنع لفائف التبغ بأصابع طويلة مترفة، لم تخشوشن من عمل. وإذ جيء له بالشاي شرع يحرك الملعقة وهو ساهم يفكر بأمر خطير. مرَّ وقت يكفي لاذابة حصاة، ولم يكف عن تحريك الملعقة بالاستكان.. حتى إذا ظهرعند باب المقهى كهل أسمر قصيرالقامة، توقف عن تحريك الملعقة، ثم حملها بين السبابة والإبهام، ولوح بها للقادم فاستوثقتُ، حينذاك، انها اشارة اتصال. تصافحا. تواجها في جلستهما. قال القصير بجد: - وين وصلت قضيتك؟ قلب شفته السفلى، وأمال رأسه جانباً ثم أجاب: - مثل لقلق الحسين! رجاه القصير بحرارة أن يروي الحكاية، وتوّثب للإصغاء (وإذا فاتني النص كاملأ فقد احتفظت بالمعنى على نحو دقيق) قال الغريب:  أول زيارة قام بها عمي (جوده) الى مرقد الإمام الحسين كانت سيراً على الأقدام، وبين قريتنا ومدينة كربلاء مسافة لا يقطعها الراجل بأقل من خمسة أيام. وصل عمي الى كربلاء متعباً. وحين شاهد صحن ضريح الحسين واسعا شامخ البناء، ومن ورائه تلوح القبة الذهبية تتلألأ تحت اشعة الشمس، ويصدر عنها وهج يأسر النفوس، حينذاك، تبددت متاعبه بفرحة اللقاء.وقف في مدخل الصحن مدهوشاً، ثم سار على مهل، حتى اذا تجاوز طاق المدخل طالعته قبة الضريح الذهبية الهائلة. تسّمرت عيناه حولها بضع دقائق، كان خلالها يحيط  ببعض الجزئيات ويكتشف التفاصيل رويداً.. رأى لقلقاً يقف على رجل واحدة فوق الهلال الذهبي الذي يتوّج القبة. واللقلق يتراءى في وقفته أقرب الى الوقار.. تَطلّع عمي جيداً.. فرك عينيه.. ولست أدري بالضبط مبعث حيرته، ربما شق عليه وقوف الطائر فوق ضريح الحسين، باعتبار ان الطيور مخلوقات تأكل وتوسخ.. أو لعله حَسِبَ وقوف اللقلق على هذا النحو لإداء مهمة، كأن يُذّكر الناس بتضحية الحسين، من خلال إظهاره الحزن الوقور.. على اية حال.. تخلص عمي في نهاية الأمر من حيرته. وأجمل كل الاحتمالات بعبارة محايدة، قالها بصوت خفيض: - لكلكك ياالحسين! وكرر الزيارة بعد عام، وعند باب صحن الحسين طالعته صورة اللقلق، كما عهدها، في المكان نفسه، يقف على رجل واحدة، بلا حركة.. فتح فمه مدهوشاً وقال بتعاطف واضح، مع اللقلق: - بعد عيني لكلكك ياالحسين!! ودخل الصحن، ثم دلف إلى الضريح، وهو مشغول الفكر بمعجزة اللقلق.. كتم ما يدور بخاطره مؤثراً الانفراد بحيرته على استفهام قد يثير سخرية أو عواقب لا تُحزر. كا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram