أدخلت التصريحات الأخيرة للموفد الأممي إلى سوريا الاخضر الابراهيمي، حول ضرورة تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، المعضلة السورية في مرحلة جديدة، يبدو أن العالم توافق على معظمها، ولم يشذ عن ذلك غير الجمهورية الإيرانية، التي صرح وزير خارجيتها، أنه لا توجد إلاّ الخطة التي وضعتها بلاده للحل في سوريا، وفي ذلك تجاوز حتى على رأي النظام السوري، الذي لم يعلن بعد موقفه النهائي من خطط الإبراهيمي، التي تعني في آخر الأمر، رفع يد الرئيس بشار الاسد عن السلطة، بتوافق روسي أميركي، لاتتبناه واشنطن علناً، وتسعى موسكو لعدم الإفصاح عنه، قبل أن يكون جاهزاً وقابلاً للتنفيذ.
ثمة فارق أساس وجوهري بين مبادرتي الابراهيمي الدولية ومبادرة طهران الفردية التي تقوم على أساس نقاط متدرجة تنتهي عند بقاء الأسد في منصبه، فيما يطرح الابراهيمي تدرّجاً مماثلاً ينتهي عند رحيل عن منصبه وعن سوريا أيضاً ، وذلك ما دعا المسؤولين الايرانيين الى التحرك بسرعة والسفر الى موسكو ومعهم بعض المسؤولين السوريين في محاولة لقراءة الموقف الروسي عن كثب ومحاولة تغيير بعض فقراته دون أن يتفكر صانع السياسة الايرانية في حجم الخسائر المتوالية جراء الدعم غير المحدود للاسد، خصوصاً وأن وزير الخارجية حذر الأسرة الدولية من فوضى دامية في حال عدم التوصل إلى حل تفاوضي للنزاع في سوريا، وفي ظل تأكيد المعارضة السورية انفتاحها على أي عملية انتقال سياسي لا تشمل الرئيس الاسد.
يبدو أن الصوت الروسي، القائل إن الفرص تتضاءل للتوصل إلى قرار بناءً على بيان جنيف، لكنها ما زالت موجودة، ويجب أن تبذل جهود من أجل ذلك، وهو بيان ينص على تشكيل حكومة انتقالية، ولا يتطرق إلى مصير الأسد، ويبدو أن دعوة الإبراهيمي بعد اجتماعه بالأسد، لتغيير يجب أن يكون حقيقيا، لم تجد صداها في طهران، كما يبدو أن توافق الجميع على تغيير شكل النظام السوري، لايروق حكام الجمهورية الإسلامية، وهم يقفزون عن حقيقة أن التغيير المطلوب، ليس ترميمياً ولا تجميليا، لأن الشعب السوري يحتاج ويريد ويتطلع إلى تغيير حقيقي.
اذا كان الموقف الإيراني مبنيا على أوهام، توقف حتى إعلام النظام السوري عن ترويجها، من قبيل ما أعلنه نائب رئيس الأركان، ونقلته وسائل إعلام إيرانية، بأن (الأوضاع في سوريا ليست خطيرة، والوضع المعيشي العادي مستمر في أغلب المناطق، وأن النظام والشعب يتعاونان لتجاوز هذه المرحلة المتأزمة، من خلال ضبط النفس، وأنه لا يوجد شيء اسمه الجيش الحر، وأن هذا الجيش هو سيناريو مختلق لعمليات الحرب النفسية، وصولاً إلى الاتهام المعلب لأميركا والصهيونية والأنظمة المنافقة بالمنطقة، والتهديد بأن كل هؤلاء، سيدفعون ثمن الدماء التي أريقت ظلماً بسوريا، والخسائر التي لحقت بهذا البلد)، فإن على صانع السياسة في طهران أن يصحو على حقائق الوضع الراهن، وأن يتخلى عن بناء المواقف على أساس الأمنيات.
من حق النظام الإيراني التدخل في المعضلة السورية، بعد أن استثمر كثيراً في دعم نظامها، ولكن من حق الشعوب الإيرانية السؤال عن جدوى إنفاق ثرواتها على مشروع بات مؤكداً أنه خاسر، وأن مردود هذا التدخل سيكون سلبياً على العلاقة بين شعبي البلدين، وأن أهالي ما يقارب الخمسين ألف قتيل، لن ينظروا يوماً بعين الرضا إلى جمهورية ولي الفقيه، ومن حق المواطن العربي أن يشعر بالقلق، نتيجة هذا التدخل الساف، لمنع السوريين من الحصول على حريتهم في بناء نظام ديمقراطي، والتخلص من حكم عائلة سيطرت على مقاليد الحكم لأربعة عقود عجاف، بات الفساد فيها عنوان الدولة السورية.
أوهام إيرانية
[post-views]
نشر في: 29 ديسمبر, 2012: 08:00 م