هاشم العقابيرغم كل ما حدث ببريطانيا من أحداث شغب وتخريب قبل أيام، فان ما زهق بها من أرواح يقل عن واحد بالمئة مما فقدناه خلال ساعات في يوم واحد فقط. فما الذي فعله رئيس الوزراء البريطاني مقارنة برد فعل رئيس حكومتنا؟ أول ما فعله الأول انه قطع سفرته وعاد لبلده ليجتمع بوزرائه وليطل على الناس مباشرة ليعلن، بأنه أمر، بالماضي، وليس سيأمر بالمستقبل، بزيادة عدد قوات الشرطة لتحمي لندن،
وقد تم، وليس سيتم، اعتقال مئات من المخربين. ثم بعد ذلك تعهد بإعادة الأمن والاستقرار لبلده وحماية شعبه وممتلكاته. بعدها نزل إلى الشارع بين الناس متفقدا الأماكن المتضررة التي تعرضت لأضرار مادية وليست بشرية. لم يحط به جمع من المصفقين أو المقربين بل كان يتصرف كأي مواطن عادي أناط به الشعب رئاسة الحكومة لا أكثر ولا أقل.أما بالعراق الذي فجع بحلقة جديدة من مسلسل الفجائع والدم، يوم الاثنين الأسود، فقد اكتفى رئيس الوزراء عندنا، والذي هو أيضا يقود القوات المسلحة ويدير وزارتي الداخلية والدفاع بالوكالة، بإصدار بيان "يستنكر" فيه ما حدث. كان عنوان البيان كما جاء على موقعه الخاص أن: "رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة السيد نوري كامل المالكي يستنكر التفجيرات الإرهابية ويتوعد بملاحقة الجناة". والاستنكار هنا معناه عدم الرضا فيقال عن فلان بأنه يستنكر المنكر أي لا يرتضيه. ومن غرائب الصدف أني بحثت عن معنى يستنكر على الانترنت فوجدت جوابا على الجوجل يقول بالنص: "يستنكر من الإنكار ولكنه أخف درجات الإنكار .. وهذا ما تستخدمه الدول الضعيفة عندما تتعرض لهجوم". اترك لكم التعليق.لم يتضمن البيان فعلا ماضيا واحدا. هذا يعني أن أي إجراء لم يتخذ من قبل المالكي. كل جمله جاءت بأفعال مضارعة تفيد المستقبل. مواعيد في مواعيد، مثل وعد المئة يوم ووعد أن سيشهد العام 2009 نهاية مشكلة اسمها الكهرباء.جاء في الفقرة الأولى من البيان: " أن إقدام هؤلاء على قتل العراقيين (الإبرياء) في هذا الشهر الفضيل يؤكد مرة أخرى خلوهم من أي وازع ديني أو إنساني". لا أدري سر وضع الهمزة تحت الألف وليس فوقها في كلمة "الأبرياء" في بيان يصدر من أعلى سلطة بالبلد وتمتلك هيئة مستشارين. ثم ما الغرابة في أن لا يحترم القتلة شهر رمضان؟ ومن هو الأكرم عند الله دم الإنسان الذي استهانوا بحياته، أم شهر رمضان؟ وهل المهم اكتشاف القتلة أم تحديد درجة التزامهم الديني؟ أريحك يا سيدي أن القتلة في أي زمان ومكان هم بلا دين ولا ضمير ولا يعرفون معنى لأي وازع إنساني. إننا، مع احترامي، لا نحتاج بيانا من رئيس الوزراء لنعرف ذلك. وتتصاعد لغة البيان بالتأكيد على أن القتلة: "لن يفلتوا بهذه الجرائم الجبانة من ملاحقة القوات الأمنية". هنا، حتى لو تزعل أقول لك، لقد فلتوا وسيفلتون حالهم حال الانفلات الأمني. فيا بعد روحي، هم كانوا في السجون وفلتوا عينك عينك، فكيف لا يفلتون وهم طلقاء يسرحون ويمرحون؟ويستمر البيان يهدد القتلة ويتوعدهم بالويل والثبور دون توضيح كيف ومتى؟ ثم في محاولة لطمأنة الناس يؤكد البيان على أن القوات المسلحة: "لن (يهداء) لها البال قبل الاقتصاص لدماء شهدائنا". مرة أخرى يصر كاتب البيان على إنزال الهمزة من الألف في "يهدأ" ولا ادري أيضا لماذا؟ لكني ادري بأن من يعجز عن ضبط لغة بيان، فسوف يعجز عن ضبط الأمن.وأخيرا ينتهي البيان بدعاء: " تغمد الله شهداءنا بواسع رحمته وألهم ذويهم الصبر والسلوان وأنعم على جرحانا بالعافية". أحب أن اطمئن رئيس الوزراء والمقربين منه، بان الله لا يحتاج دعاء أو توصية من رئيس حكومة حتى يمن على الشهداء بالرحمة. وليسمح لي رئيس الوزراء أن أقول له وأنا لست إسلاميا مثله: إن الذي أعرفه هو أن الله يستجيب لدعاء امرأة مظلومة ثكلت بفقدان ابنها أو أبيها أو أخيها، تسكن في بيت من التنك، وليس بقصر، أسرع مما يستجيب لدعاء أي مسؤول أو رئيس.إنا لله وإنا إليه راجعون.
سلاما يا عراق: قراءة في بيان المالكي
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 17 أغسطس, 2011: 09:03 م