TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عين:"مجادي" الباب الشرقي

عين:"مجادي" الباب الشرقي

نشر في: 19 أغسطس, 2011: 09:46 م

 عبد الخالق كيطان أمر مخجل أن يتكاثر المتسولون في مدننا الرئيسة بهذا الشكل المريع. وأكثر ما يخجل فيه أن بلدنا يعدّ من البلدان الثرية لا في المنطقة بل في العالم. صور المتسولين في الدول الفقيرة، والتي تنشر هنا وهناك، نعدّها أمراً عادياً في تلك البلاد الموسومة بالفقر، ولكن أن تصلنا صور عن متسولين في الكويت أو السعودية سيكون أمراً مثيراً للاستغراب الشديد، فلماذا لا نستغربه في العراق، وهذا البلد لا يقل ثراءً عن أي دولة من دول الخليج العربي؟rnrn rn
الأمر أكثر من سيئ ومخجل أن تصطدم يومياً بمئات المتسولين في بغداد وحدها، وربما هذا هو الذي دعا الفنان قاسم الملاك ليكون المتسولون عماد مسلسله الذي يبث حالياً من على شاشة "الشرقية". وهو ما يذكرنا بفيلم عادل إمام الشهير: "المتسول"، وكيف تدار شبكات التسول من قبل أشخاص قد تكون لديهم ارتباطات بجهات عليا.. ربما. فالأمر يدخل في باب (البزنس) أيضاً. ولكنه في العراق يمثل شبكة غريبة عجيبة فيها الاحتمالات كلها مفتوحة. وما أريد الوصول إليه هو تلك المشاهد القاسية التي شاهدتها في الباب الشرقي وساحة التحرير قبل أيام، حيث كانت دوريات تابعة للشرطة، كتب على بعض آلياتها: "شرطة الأحداث"، تقوم بدفع عدد من متسولي تلك المناطق إلى داخل السيارات بعنف مبالغ به، بالرغم من أن أولئك المتسولين هم من كبار السن، وأن نزولهم إلى الشارع لم يكن من باب البطر، كما يبدو على هيأتهم، ولكن الاضطرار القاسي هو الذي يدفعهم إلى ذلك... لقد تمت معاملتهم بقسوة لا داعي لها، وكأنهم ليسوا بشراً، حيث يصرخ الشرطة في وجوههم ويدفعونهم دفعاً للسيارة. فما الرسالة التي يريد هؤلاء الشرطة إرسالها؟ وإلى أي مكان اقتيد هؤلاء المتسولون؟ وإذا كان شرطتنا يعاملون المتسولين في وسط بغداد بهذه الطريقة الفضّة، ترى كيف سيعاملونهم في الأماكن التي اقتيدوا إليها؟ بالمناسبة، ما هي الأماكن التي اقتيدوا إليها؟في اليوم الثاني مررت في ساحة التحرير ووجدت المتسولين على حالهم، هل أطلق سراحهم؟ هل هؤلاء هم وجبة جديدة ظهرت اليوم؟ ما هو مصير وجبة الأمس؟ أسئلة من هذا النوع تحيرني، خاصة عندما ركبت في سيارة نقل عام وكان إلى جواري واحد من هؤلاء، ناولني أجرته لأمررها إلى من هو أمامي، وبدأ بعدها بإخراج النقود، من الفئات الصغيرة، من جيوبه، وبدأ بالعد.. كنت أختلس النظر إليه بالرغم من رائحته الخطيرة!المتسولون في العراق قصة طويلة، ولدي حولها الكثير من المشاهدات، فأنا أتذكر كيف عملت في أحد فنادق شارع الجمهورية بعيد غزو الكويت بصفة إداري ليل، أو حارس، حيث يسلمني الحاج مالك الفندق، والد أحد أصدقائي الذي رشحني للعمل مع أبيه بسبب وضعي المادي، المفاتيح ويغادر إلى منزله مساءً ليعود فجر اليوم التالي، وأذهب أنا إلى الكلية. كان سكان الفندق كلهم، بلا استثناء، من المتسولين الذين يخرجون إلى "باب الله" صباح كل يوم ولا يعودون إلا مساءً، وأول ما يفعلونه هو تسليم أموالهم بقوائم إلى متعهدين، وبعدها يقومون مع المتعهد بتسليمها إلى أمانات الفندق "قاصة الحاج"، والذي يدونها بدوره بسجلات أعدت بعناية للأمر. رائحة هؤلاء كانت مميزة، وعلاقاتهم الاجتماعية غريبة، وسلوكهم مع بعضهم البعض ومع غيرهم في النهار غيره عنه في المساء. كانت تجربة مثيرة بالنسبة لي أمضيت ستة شهور أتابعها بشغف وأدون عنها الملاحظات، وربما سأتوقف عندها في مناسبة أخرى. الأمر المهم في القصة هو أن هؤلاء يمثلون مجتمعاً مغلقاً وفي هرم اجتماعي وطبقي... ولكن هل يصح القول إن المتسولين كلهم من هذه العينة؟ وما هي الحلول الصحيحة، أخلاقياً وصحياً واجتماعياً ودينياً، لمعالجة هذه الظاهرة؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram