TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > جســـر :كويتي في الصحافة العراقية

جســـر :كويتي في الصحافة العراقية

نشر في: 20 أغسطس, 2011: 06:30 م

 سعد بن طفلة العجمي   حين طلب مني الأصدقاء الكتابة في "المدى"، لم أتردد في قرارة نفسي بالموافقة، لأنها فرصة للتخاطب مع الإنسان العراقي، من خلال واحدة من أكثر الصحف العراقية اتزاناً وموضوعية وجرأة ومدنية، ولكن حيرة انتابتني عما سأكتب وخاصة في أول مقالة. إنها نافذة كويتية هامة على الداخل العراقي الذي "صار لطول المجافاة حلما، ولكن به دجلة والفرات" كما يقول الشاعر العراقي مظفر النواب- شافاه الله.
 إنها فرصة لترجمة ما أردده دوما مع كثيرين: لا بد من التعايش السلمي والتعاون على كافة المستويات بين العراق والكويت، هذا هو المنطق العقلاني وهذا هو قدر الجارين. نعم، إنني- مثل غالبية بين الكويتيين والعراقيين- أؤمن بضرورة طي صفحات الماضي، وتجاوز جراحات الاحتلال والتفكير بمستقبل أطفال البلدين، والتعايش بين الجارين، صحيح أن الأغبياء فقط هم من يكررون أخطاء وخطايا الماضي، والأصح إن تكرار أحداث الماضي يعني تكرار تبعاتها، وعليه فإن تجاوز الماضي لا يعني تجاهل الدروس وعدم الاستفادة منها، فذاك هو الحمق بعينه، فلقد دفع الطرفان أثمانا باهظة من الدم والمعاناة والحروب وويلاتها بسبب عقلية الماضي الشمولية، وبسبب مصادرة الآراء المختلفة حول ما قد ينشأ بين البلدين من تباينات أو خلافات. ولكي لا يظن القارئ العراقي الكريم أن في هذه المقدمة مجاملة له، فإن إيماني بأهمية التعايش بين البلدين وبناء علاقات كويتية-عراقية على أسس عصرية وشفافة وحديثة، مسألة وطنية كويتية بالنسبة لي قبل كل شيء، فككويتي أرى أن علاقة مستقبلية بناءة بين البلدين هي قضية وطنية في صالح بلدي أولا وفي صالح العراق كذلك. أعرف أن الطريق طويل، وأن أجندات خارجية ستعمل على عرقلة بناء علاقات عراقية-خليجية متينة وعراقية-عربية بشكل عام، وقد ترى هذه الأجندات الخارجية في ماضي علاقات الكويت والعراق المؤلم، مجالا خصبا لإثارة المشاكل والقلاقل المبرمجة، ولعمل ذلك ستعمد دوما لافتعال أزمات إعلامية مع الكويت مثلما يجري هذه الأيام بالضجة غير المبررة حول ميناء مبارك، ومحاولة خلق مشاكل لن تخدم أياً من الشعبين، فالميناء بنته الكويت داخل أراضيها من أجل التجارة مع العراق، ومن أجل المساهمة بإعادة بناء العراق، وبمعرفة الجانب الرسمي العراقي كما تبين وثائق الطرفين ولقاءاتهما المشتركة، ولا أرى جدوى من بنائه- كما كتبت من قبل- إن كان فيه ضرر للعراق، فذاك ليس بهدف المشروع، بل العكس هو الصحيح. إن البناء الحقيقي لعلاقة ممتازة بين البلدين تبدأ بترسيخ لغة مصلحية بحتة بالدرجة الأولى بين البلدين وبين الشعبين، تتجاوز الحديث الرومانسي عن العلاقات التاريخية والأخوية والعروبية والقومية واللغوية والثقافية وخلافه، فتلك عوامل لم تردع الاحتلال والحروب، ولم تشكل عائقا أمام انهيار علاقة البلدين والشعبين عام 1990. أرى في هذه النافذة جسرا للمستقبل، وأتطلع من خلالها لإطلاق صرخة مدوية لأجيال البلدين القادمة، فالمستقبل لهم، ومسؤوليتنا جميعا البحث عن نقاط التعاون وما أكثرها، ونبذ مكامن الخلاف العديدة- وما أتفه أكثرها، والتفكير بروح عصرية جديدة لانتشال علاقة البلدين التي لن تكفي عشرات المقالات لتصحيحها، والتي تتطلب جهودا من المخلصين بين الجانبين بكافة المستويات للتعامل الواقعي مع أحداث المنطقة وتطوراتها،بما يحقق السلام والرفاه بين الشعبين والبلدين. سيجد القارئ العراقي المحترم ما لا يعجبه في بعض مقالاتي، وهذا متوقع، ولكن أليس هذا هو المطلوب من أجل المصارحة والشفافية؟ ألم نكتف بعقود من الخداع الرسمي ومجاملات مثقفي السلطة في البلدين منذ عهد الدكتاتورية المبادة وحتى اليوم؟ ألم يحن الوقت للغة جديدة تتواءم مع متغيرات عالم لا يتوقف عن التغيير؟ ألم تكن لغة الماضي هي من شكّل وصاغ ثقافة الغزو والاحتلال؟ وهل يعقل أن نجتر نفس اللغة ونفس العبارات التي جلبت الدمار والفرقة والحرقة؟ إن على الجميع تحمل مسؤوليته للتصدي لثقافة الغزو والعيش في ماضي سياسة الضم والعدوان، وعلينا جميعا أن نرتقي دون سذاجة فوق جراحات الماضي وآلامه، غير متناسين دروسه، ولا متجاهلين آثاره التي لا تزال تعشش في عقول بعضنا بين الجانبين. لعل هذه الزاوية الدورية تكون عربون نوايا حسنة للمستقبل، ولعلها تسهم ولو بنزر يسير في حتمية بناء العلاقات بين البلدين على مستوى الكتاب والمثقفين ومجالات الصحافة، فجيرة العراق والكويت قدر، علينا التعاطي معه بروح تليق بحياة شعبينا للمستقبل، ولا عزاء لمرضى العيش في كنف الماضي المقيت...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram