د. رواء هادي ليست بمعجزة تؤتيها الحكومة إذا ما حلّت مشكلة الكهرباء.. هذه المشكلة التي أرّقت العراقيين منذ تسع سنوات، فقد أتت بمعجزات قبلها حينما جاءت بمعدات وتجهيزات هائلة لتأمين المنطقة الخضراء محل سكناهم وراحتهم وأمنهم، وهي في هذه الجنة التي صنعوها لأنفسهم في قلب بغداد (التي هي أحقّ بأهلها بها)، وقد نأوا بأنفسهم عن هموم المواطن اليومية الأبدية على ما يبدو، وحقوقه المنتهكة بشكل سافر ودون حياء..
فقد عمل النظام السابق والنظام الحالي والذي سيأتي من بعد على إشغال المواطن العراقي حدّ قطع النفس، بقضايا الطائفية المقيتة والبطالة التي يشتكي منها نصف الشعب العراقي، وقضايا الأمن والكهرباء والتهجير والسكن وتأمين المعيشة ،فضلا عن الأمراض الخبيثة التي فتكت وتفتك بالكثيرين بسبب الاشعاعات الناجمة عن اليورانيوم المنضب ومخلفات الحرب السامة..وهكذا فقد جُعل المواطن في حالة لهاث مستمر يصرفه عن الانتباه لما يجري من تقسيم الكعكة السمينة الدسمة التي اسمها العراق..وبالهناء والشفاء لمن تكالب على تلك الكعكة، فقد خسر المواطن العراقي كل شيء من قبل ومن بعد، بسبب من أنظمة غير عادلة وسياسات غير رشيدة لحكام همهم الوحيد تأمين عروشهم والنهل من عسل هذا البلد دون الالتفات إلى ما آلت إليه حال المواطن وحال هذا البلد، وإلى قضية المواطنة وحقوق الانسان التي سحقت حدّ النخاع..فما معنى أن يُجلد المواطن الانسان بسياط الحر المفزع في أشهر الصيف القاسية منذ تسع سنوات دون أن يكون هناك من حل جذري لهذه المشكلة العقيمة، ولماذا يكون تورط الحكومة ووزرائها ومسؤوليها بصفقات مشبوهة على حساب مصلحة المواطن وحاله وماله، والتي أدت به إلى التفكير جدياً بالفرار من وطنه واللحاق بمن سبقوه، إلى أرض الله الواسعة علّه يجد فيها من يحترم حقوقه وإنسانيته المسحوقة؟!وما هم الحكومة إن لم يكن حل مشكلات المواطن وحمايته ومداواة جراحه، والنهوض بالبنيان المتهالك بجميع أشكاله وألوانه، من بنى تحتية واقتصادية وثقافية واجتماعية، ومحاولة بناء الانسان نفسه التي صارت قيمه إلى الانحلال شيئا فشيئا..أم إننا نُسَلِم ونُصَدِق على قول من يقول: إن العراق لن تقوم له قائمة من بعد؟!ماالذي تصنعه وزارة الكهرباء ولماذا تُصرف لها الاعتمادات الضخمة إن لم تكن تستطيع حل مشكلة عمرها يناهز العقد من الزمن؟ وماالدور الذي تؤديه وزارة حقوق الانسان ما دامت حقوق الانسان منتهكة على الأصعدة كافة؟وما دور وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.. وملايين العاطلين والمشردين والمتسولين يفترشون الارصفة والشوارع؟! وأين وزارة التجارة والحصة التموينية تتقلص وتصغر كل يوم؟! وأين أمانة بغداد التي تحولت ـ عدا بعض المناطق فيها ـ إلى بؤر كبيرة للنفايات؟! وأين وزارة الإسكان والتعمير التي لا عمرت البلاد ولا أسكنت العباد؟! أما الطرق والجسور فهي حائرة في كيفية إنجاز مشاريعها وجسورها التي بدأت العمل فيها منذ سنوات خلت!!أما برلمانيونا فمعظمهم مساهمون كبار في عملية تقسيم الكعكة، ومنشغلون بالدفاع عن حقوقهم الدبلوماسية، ورواتبهم التي لا يريدون أن يتعدى عليها أحد..إنه واقع حال مرير أشد المرارة، فلو أن أحدا من أعضاء الحكومة يحرص على المصلحة الوطنية العامة كحرصه على مغانمه لكُنّا بحال أفضل مما نحن عليه اليوم.. ولكن يبدو فعلا أن الحق والحقوق لا تُمنح ولا تُكتسب وإنما يسعى الانسان إليها سعيا، وهذا يذكرنا بقول الشاعر احمد شوقي:للحريةِ الحمراءِ بابٌ ..... بِكلِّ يدٍ مُضرَّجةٍ يُدقُ
أما آن لهم أن ينتهوا من تقسيم كعكتهم؟!
نشر في: 20 أغسطس, 2011: 06:34 م