ميعاد الطائيالشباب هو محرك الحياة في المجتمع ومنظمها وقائدها ومطورها ومجددها، بما يمتلك من صفات ومقومات ينفرد بها كالإرادة القوية والتحدي والإصرار والانفتاح والقدرة على التكيف والتعايش وحب الاكتشاف , لذلك يعد الشباب طليعة أي مجتمع، وعموده الفقري، وقوته النشطة الفاعلة والقادرة على قهر التحديات وتذليل الصعوبات وتجاوز العقبات التي قد تواجه أي مجتمع في مراحل نهوضه.
ويتفق الجميع على أن أي عملية تنموية يراد لها النجاح تتوقف على طبيعة استغلال الطاقات الشبابية في ذلك المجتمع , ويمكن من خلال متابعة المشهد العربي أن نكتشف غياب الستراتيجية التنموية التي تعتمد على الشباب وتحريك طاقاته الإبداعية نحو تلبية متطلباته واهتماماته حيث غاب الشباب العربي عن التأثير في المشهد الاجتماعي والسياسي في بلدانه لفترة طويلة،لانشغاله بأشياء أخرى جعلته متهما بالضياع والتقليد الأعمى للمجتمع الغربي وكذلك الفشل والعجز عن التأثير في الواقع العربي , ويعتقد البعض ان الحكومات سعت إلى تهميش دور الشباب من خلال تغييب الوعي الوطني والسياسي لدى هذه الشريحة المهمة،في الوقت الذي كانت هذه الحكومات تزج بالشباب في محرقة الحروب الداخلية والخارجية إضافة إلى ان هذه الأنظمة قد مارست الاستبعاد المتعمد ضد الشباب من خلال عزلهم عن الحياة العامة وعن الممارسات السياسية،إضافة إلى إنها لم تعط للشاب العربي حقه في نيل فرص العمل والعيش بكرامة حيث كان يعاني الفقر والبطالة،ما اضطره للبحث عن فرصته في دول أخرى ليعاني أكثر من حالة اغتراب في وقت واحد.وهناك حقيقة لم تعد خافية على احد وهي أن الوعي الوطني والسياسي غاب عن جيل الشباب من خلال سياسات متعمدة للحكومات بإبعاد هذه المفاهيم عن المناهج الدراسية وعن الإعلام الداخلي ومنع تداولها في أي تجمعات داخل البلاد في ظل سياسات القمع للحريات والآراء السياسية التي يخشى النظام تضاربها مع مصالحه الشخصية. الأمر الذي حدا بالشباب للسعي خلف الإعلام الخارجي للبحث عن الحقيقة التي غابت في الإعلام الداخلي ( إعلام السلطة)،ما مهد لبداية الانسلاخ الثقافي عن ثقافة الحزب الحاكم الذي بدا يخسر الثقة من قبل الشعب وخاصة الشباب . ولا بد من الإشارة هنا إلى ان ثورة الاتصالات العالمية زادت من الوعي لدى الشباب وجعلته ينفتح على فضاء واسع من التساؤلات وسمحت له بالاطلاع على المفاهيم الديمقراطية ومعرفة أبعادها السياسية والاجتماعية فأصبح الشباب يتواصل ويدلي بآرائه من خلال شبكة التواصل الاجتماعي" الفيسبوك" ليكون أكثر اهتماما بالشؤون السياسية وبكل التوجهات الأخرى التي من شأنها تعزيز الديمقراطية وتوسيع نطاق الحريات، وتمكين الشباب من التعبير عن آرائهم ومواقفهم لا سيما في القضايا التي تخص بلدانهم.وهكذا برز دور هذه الشريحة في الأحداث الأخيرة التي جرت في أكثر من دولة عربية ليصبح المحرك والقائد للثورة التي طالبت وتطالب لحد هذه اللحظة بالإصلاحات السياسية وتقدم التضحيات في سبيل إنجاح الثورة وتحقيق مطالب الشباب التي هي مطالب الشعب.وكان من الطبيعي أن يفاجأ الحكام بهذا الدور القيادي للشباب بعد ان عملوا جاهدين على تثقيف هذا الجزء المهم من المجتمع بثقافة النظام من خلال استيعابه في منظمات خاصة بهذا الشأن بالإضافة إلى محاولة إشغالهم بأمور المعيشة الصعبة , ونستطيع أن نكتشف وقع المفاجأة من خلال الأوصاف التي أطلقها الحكام على الثوار والتي تعكس وجهة نظر الحكام بهؤلاء المتظاهرين الشباب حيث وصفوهم بالعيال ومتعاطي المخدرات و(أطفال الفيسبوك) إلا أن العيال اثبتوا للحكام بأنهم قادرون على إسقاطهم بعد ان تسلحوا بالوعي والثقافة من خلال التكنولوجيا المتطورة وقرروا أن يلعبوا دورهم التاريخي الذي غاب طويلا حتى حضر اليوم ليبهر الجميع حتى الدول الغربية المتشدقة بالديمقراطية , وليكسب الشباب ثقة المجتمع ويجعل ما تبقى من الدكتاتوريات في العالم العربي أمام خيارين إما أن تضع سياسات جديدة لاستيعاب خطر الشباب والتخلص من التهديدات التي يشكلها وجودهم في البلاد، أو الرضوخ لمطالبهم المشروعة وإعطائهم دورهم الحقيقي.
الشباب العربي.. التحرّر وعودة الروح
نشر في: 21 أغسطس, 2011: 05:59 م