منطقياً،يفترض أن تكون نسب الطلاق في الزمن الديمقراطي أقلّ منها في الزمن الدكتاتوري،لأن الديمقراطية تؤمن العدالة الاجتماعية وتقضي على الفقر والبطالة ،وتشيع الرفاهية والراحة النفسية بين الناس،حيث يعدّ الفقر والبطالة والضغوط النفسية أهم أسباب الطلاق.
ومع أن أسباب الطلاق التقليدية كانت موجودة في الزمن الدكتاتوري،مضافا لها ما نجم عن حروبه الكارثية(حالات الأسر الطويل،الإعاقة..)،والهجرة الفردية هربا من جمهورية الخوف..ثم الحصار الذي استمر ثلاثة عشر عاما..فان نسب الطلاق شهدت تزايدا غير مسبوق في العراق الديمقراطي.
ففي تقرير إخباري لفضائية الحرة- عراق بثته مساء الخميس 27/12/12 أفاد أن حالات الطلاق في العراق في تزايد،تتصدرها بغداد الكرخ وتليها الناصرية، ثم النجف في المرتبة الثالثة، مسجلة أرقاما قياسية، وصلت إلى (50%) من عدد المتزوجين، وأن القضاة وصفوا ظاهرة الطلاق بأنها صارت توازي ظاهرة الإرهاب!.وأفاد تقرير من إحدى محاكم الكرادة بأن عدد حالات الطلاق فيها تتراوح بين (20 – 50)حالة في اليوم الواحد،وأنها صارت مصدر رزق للمحاميات والمحامين وكتّاب العرائض!.
والمفارقة الثانية ،أن المنطق يفترض أن النظام الديمقراطي كان عليه أن يعمل على معالجة هذا الآفة الخطيرة بعد أن أعلنت الحكومة أنها قضت على الإرهاب والطائفية وأن عليها أن تتفرغ لمعالجة قضايا الشعب..إلا أن واقع الحال بالضد من هذا المنطق تماما وكأن ما يجري هو فصول من مسرحيات اللامعقول.فوفقاً لمجلس القضاء الأعلى،فان عدد دعاوى الطلاق في العام 2004 كانت (28689 )،وارتفعت في عام 2005 إلى( 33348)،ووصلت في عام 2006 إلى( 36627)..وقفزت في عام 2012 لتصل في عدد من المدن العراقية إلى ما يشبه الكارثة هو (50)حالة طلاق مقابل (100)حالة زواج..أي أن كل مليوني حالة زواج يقابلها مليون حالة طلاق!!..والمفارقة الثالثة أن مدينة النجف بوصفها مدينة محافظة ومقدسة سجلت أرقاما غير مسبوقة تراوحت بين (25-30%)قياسا لعدد المتزوجين..فكيف بمدن عراقية أخرى ليس لها هذا الطابع؟!
خبراء علم النفس والاجتماع يتفقون معنا على أن السبب الاقتصادي يتصدر الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق.وتشير التقارير إلى أن نسبة الفقر في المجتمع العراقي تبلغ الآن 23% ،أي أن ربع الشعب العراقي هم دون مستوى خط الفقر المحدد عالميا بأقل من دولارين في اليوم ،وأن نسبة البطالة في العراق تكاد تكون هي الأعلى في دول المنطقة،يقابل ذلك أن ميزانية العراق تعادل ميزانيات ست دول عربية مجتمعة..وأن ما اختلس من أموال العراق في وزارتي الكهرباء والدفاع فقط يزيد على اثني عشر مليون دولار بحسب هيئة النزاهة.وأن الحكومة والبرلمان والمرجعية والكتل السياسية والناس متفقة كلها على وجود الفساد ،وأن القانون والدين والأخلاق توجب على المسؤول الأول في الدولة أن يحافظ على (بيت المال)،ومع ذلك لم يستجب لطلب المتظاهرين في ساحة التحرير بتشكيل محكمة خاصة لمحاكمة الفاسدين واسترداد الأموال من الحيتان الكبار التي لو صرفت على الناس لتحسن وضعهم الاقتصادي ولعولج سبب الفقر الذي يعد الأول في خفض نسب الطلاق..ثم ،أي نظام ديمقراطي هذا صار فيه الفساد شطارة وما عاد يعد خزيا كما كان!
والذي لا ينتبه له كثيرون أن أخطر ما أحدثه الفساد هو أنه هرّأ الضمير الأخلاقي ،لاسيما لدى من يفترض أن يكون القدوة للناس.والأوجع أن يتبادل لابسو العمائم تهم الاختلاس والرشوة والفساد المالي علانية دون اعتبار لهيبة العمامة وقدسيتها عند العراقيين بشكل خاص.وقد شكّل تهرؤ الضمير الذي أفسده الزمن الديمقراطي سببا خفيا في الطلاق.
فإذا كان الزواج المبكر يشكل أحد الأسباب الرئيسة للطلاق ،فإنه دخل على أسبابه التقليدية في زمن الديمقراطية متغير جديد هو الفضائيات والمسلسلات الأجنبية.فجيل الشباب في العراق يختلفون عن كل شباب العالم بكونهم ولدوا في حرب ونشأوا في حرب ويعشيون في أكثر من حرب،وأنهم مأزومون نفسيا ،وكثير منهم فهم الحرية بالطريقة التي تقدمها المسلسلات الأجنبية التي تطرح الطلاق كما لو كان حالة عادية.ولأن الزمن الديمقراطي لم يقدم لجيل الشباب الأنموذج الأخلاقي الراقي فإنهم استسهلوا الطلاق..يؤكد ذلك تقرير يفيد بحصول أكثر من عشرة آلاف مطلقة من مواليد عام 1995 في عامين،وتقرير آخر يفيد بأن نسبة الطلاق في الفئة العمرية دون العشرين بلغت 30% من حالات الزواج المسجلة في مدينة عراقية محافظة .
وعلّة أخرى نرجو أن لا تغيض من يعنيه الأمر هي أن السياسي العراقي مولع بحب السلطة والثروة والنساء.ولقد بلغني أن سياسيين كبارا يحتلون مواقع في مؤسسات الدولة عمدوا إلى إجبار أو إغراء موظفات صغيرات على الزواج بالسرّ ،وأنهم ما أن قضوا وطرهم منهنّ أو كشف سرّهم طلقوهنّ في الحال!
ومع كل هذه السوءات فإن العراقيين لن يطلّقوا نظامهم الديمقراطي، لكنهم بالتأكيد سيطلّقون بالثلاث من أساء إليه.