حازم مبيضينلم يعد يفصلنا عن سقوط المهرج الليبي معمر القذافي, إن لم يكن سقط فعلاً , غير الطلقة الأخيرة التي ستنهي حياة هذا الطاغية, الذي جثم على صدور الليبيين أكثر من أربعة عقود, أذاقهم فيها المر, وعبث بمقدراتهم وثروة بلدهم, بحثاً عن مجد زائف, فطرح نفسه مفكراً أممياً بوريقات صفراء سماها الكتاب الأخضر,
وسمى نفسه بالعديد من الألقاب أكثرها مدعاة للسخرية لقب ملك ملوك إفريقيا, ويقصد بذلك مجموعة من متزعمي قبائل لا تزال تعيش في العصور الحجرية, يسمون أنفسهم ملوكاً, وهكذا وفي انتفاضة ليست مفاجئة, هب أبناء طرابلس وهي المعقل الأخير للقذافي, ومعهم جحافل الثوار, المتدفقون من كافة الأنحاء لتطهير عروس البحر من كتائب المرتزقة, وفلول المنتفعين من هلوسات العقيد.في خطوة رمزية, تم تحرير سجناء معتقل أبو سليم, الذي اغتالت كتائب القذافي المعتقلين فيه قبل أعوام, في خطوة لا تنم غير عن عقلية جرمية بامتياز, يحملها العقيد المهووس, وترافق ذلك مع عدد من العمليات النوعية المباغتة, حيث تمترس الثوار في بعض الأحياء والمنشآت الحيوية, وفرضوا سيطرتهم على معظم مناطق العاصمة, تمهيدا لتحريرها بالكامل، والمهم أن هذه العمليات تأتي مترافقة مع تعليمات من قيادة الثورة والناتو, موجهة لسكان المدينة حول سلامتهم, والإجراءات اللازمة لتفادي النيران في عملية تحرير العاصمة.هي ساعة الصفر إذن, حين زحف الثوار من عدة جبهات إلى طرابلس, لنصرة ثوار العاصمة, والمأمول أن تكون مهمتهم سهلة هذه المرة، ولكن عليهم الوعي أن العقيد المهووس, والذي هاجمهم من جحره في تسجيل صوتي, واتهم فيه الثوار بأنهم مصممون على تدمير الشعب الليبي, ووصفهم بالجرذان، دليل على أنه ومن بقي معه من أنصاره لن يرضخوا بسهولة, كما أن عليهم الوعي أّن المرحلة القادمة من عملية فجر عروس البحر ستكون الأصعب، لتعلقها بتطهير العاصمة من جيوب كتائب المرتزقة, الذين تشير التقارير إلى أنهم سيخوضون حرب عصابات, وسينشرون الرهبة والخوف في صفوف المدنيين, حتى في حالة مقتل القذافي, أو هروبه إلى خارج ليبيا. اليوم لم يعد أمام القذافي وابنه غير أصواتهم المبحوحة, فهاهو وكأنه لم يعلم بعد بانشقاق رفيق دربه عبد السلام جلود الذي دعا قبيلته إلى التبرؤ من هذا الطاغية, يعيد ويكرر دعوة أنصاره إلى الزحف بالملايين, للقضاء على الجرذان, في حين تبرع ابنه سيف الإسلام قبل أن يسقط في يد الثوار بالقول إن نفسه طويل, وأنه لن يسلم ولن يرفع الراية البيضاء, ومع تأكيده على حتمية انتصاره فإنه دعا الثوار الى الحوار, وبشرهم بأنه أشرف شخصياً – وهذه من مكارمه - على إعداد مشروع دستور جديد, لكنه أصم أذنيه مثل والده, عن سماع دوي الانفجارات وأصوات إطلاق النار طوال الليل, في المعقل الأخير والوحيد لوالده.نعد مع الليبيين الساعات الأخيرة في عمر حكم الطاغية المهووس, ونثق أنه سيلحق بشكل من الأشكال, بصدام ومبارك وبن علي, ونعرف أن آخرين ينتظرون دورهم, لكنهم يعاندون حركة التاريخ التي ستكتسحهم, وتمسح بدم الشهداء كل ذكر لهم, غير أنهم كانوا طغاة وسفاحين.
في الحدث: عروس البحر تـسـقـط الـقـذافــي
نشر في: 22 أغسطس, 2011: 08:28 م