عامر القيسيقلت يوم أمس في عمودي هذا إن الليلة الأولى للثوار الليبيين في طرابلس ستكون ليلة الأحد على الاثنين. وكان دليلي في هذا التنبؤ هو المقارنة مع الأيام الأخيرة لنظام صدام.كان صدام وجوقته الإعلامية يتحدثون عن النصر بينما كانت قوات التحالف الدولي تجتاح المحافظات العراقية من كل الاتجاهات اندفاعا إلى بغداد، وهو الشيء نفسه الذي مارسه القذافي، ففي الوقت الذي كان الثوار يحررون مدينة مدينة، وكان الناس يستقبلوهم بالترحاب، كان القذافي يصرخ بالملايين لأن تحمل السلاح وتقاتل "الجرذان".
وكان صدام قد رفض طلبا إماراتيا لتضييفه معززا مكرما وتجنيب البلاد الحرب والدمار، سخر صدام من الطلب وطرد المبعوث الإماراتي الذي اقتنع أن رحيل صدام لن يتم إلا بالقوة.القذافي أيضاًً رفض طلبا اسبانيا لتضييفه لتجنيب ليبيا المزيد من الدماء والتدمير والخراب، لكنه رفض وكشف عن مهمة المبعوث السرّية، وطلب منه أن يسلم له على الجماعة في أوربا ويقول لهم إن معمر بخير "لاحظ انه يطمئنهم على نفسه وليس على الوطن"، وعاد الرجل ليقول للجماعة "توكلوا على الله وارفعوه!"،حتى الساعات الأخيرة لتحرير بغداد من الدكتاتورية كان الفيلق الثامن "اسم للفنانين الذين مجدوا صدام شخصيا"، يدق ويرقص ويهتف ويتغنى ويمجد بالقائد الوطن والقائد الشعب والقائد هدية السماء إلى الشعب العراقي، والشيء نفسه حدث في الليلة الأخيرة لاختفاء الطاغية إلى درجة أن إحدى المذيعات "هالة المصراتي" كانت تشهر مسدسها أمام المشاهدين وتصرخ "يا قاتل يا مقتول"، عند دخول الثوار لم يعثروا إلا على مسدسها لأن لا احد يعلم أين اختفت؟!في الساعات الأخيرة للنظام الصدامي كان الصحاف يطلب من الصحفيين العرب والأجانب مرافقته لذبح العلوج وكان الصحفيون يسمعون صوت سرفات الدبابات الأميركية وهي تعبر جسر الجمهورية "صخم الله وجهك صدام"، هكذا كانت تقول والدتي يرحمها الله عندما ترى صدام من على شاشات التلفزيون، والشيء نفسه حصل في ليلة الأحد ففي الوقت الذي كان الثوار يزحفون على طرابلس، ويعلن عبد الحليم خدام انضمامه للثورة واعتراف تونس الجارة بالمجلس الوطني للثوار، من كل الجهات كان الناطق الإعلامي يتحدث للصحفيين الأجانب عن مرتزقة توانسة ومصريين تم القضاء عليهم في بعض شوارع العاصمة وان الوضع مسيطر عليه، وبعد دقائق يظهر لنا تسجيل صوتي للقائد الأكثر من ضرورة ليقول عن الثوار بأنهم "عملاء وأنجاس" وان نساء طرابلس وأطفالها سيقاتلونهم، ويصرخ في النهاية "أنا باق ومستمر والناتو يتهاوى"!! مقارنات توضح اللحظات الأخيرة لنهاية دكتاتورين أذاقا شعبيها الويل والحنظل ودمرا وطنين.هما مثالان عن أوهامهما القاتلة التي تصور لهما أن أياً منهم هو الوطن والناس والهواء والماء وان العالم سيذهب إلى قاع الجحيم من دونه وان ملائكة الله ستبكي وتذرف الدموع الغزيرة على رحيله. هل هي أوهام أم أمراض، إلا ماذا تسمي التضحية بوطن وشعب من اجل البقاء على هرم السلطة، ربما كان مبارك وبن على أكثر قربا من اللحظات الأخيرة التي جنبا فيها شعبيهما المزيد من الدماء والتضحيات وقررا الاستجابة للرحيل تحت الضغط الجماهيري العاصف. صدام والقذافي لم يسمعا ولم يريا ولم يستطيعا قراءة الأحداث بعقل المتبصر، بل والمحتضر الذي يطلب في النهاية قطرات من الماء قبل أن يرحل عطشانا.هذا هو حكم وصوت الشعب ومن لم يسمع عليه ألا ينتظر مصيرا أفضل من الذين سبقوه. رغم أن بعض سياسيينا لم تعطهم تجربة صدام القدر الكافي من الحكمة لتتبع مصائر الطغاة فعسى أن يكون صوت التجربة الليبية أعلى وأقوى. شخصيا اعتبر يوم سقوط القذافي مثل يوم سقوط صدام مع حسرّة من القلب لو أننا استطعنا أن نسقط الدكتاتورية كما فعلها الشعب الليبي... هنيئا لهم ولنا.
كتابة على الحيطان: الليلة الأولى فـي طرابلس
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 22 أغسطس, 2011: 09:06 م