علـي حسـين"ما يسمى بالربيع العربي، هو ليس صراعاً بين الشعوب التي تريد الحرية وبين أنظمة دكتاتورية، فهذا جانب بسيط من المسألة، لكن الطرف الحقيقي في الصراع، والذي لا يذكره احد، وهو الطرف المهم واعني به الشيطان، ووكلاءه في الأرض وهم دول كبرى تسعى للسيطرة على العالم". هذه فقرة وردت في حوار أجراه زميلنا عماد العبادي في برنامجه "سحور سياسي" مع عضو دولة القانون واحد المقربين من المالكي السيد عزت الشابندر،
لم أصدق نفسي وأنا اسمع هذه الكلمات التي اختار صاحبها أن يقولها بطريقة توحي بان قائلها احد منظري هذا العصر وصاحب فلسفة كونية.بالطبع لا أريد أن ادخل في جدل مع الفيلسوف الشابندر حول موضوعات تخصصت بها الأديان، لكن أريد أن اسأل سؤالا: ما علاقة الشيطان ووكلائه بما يجري في سوريا وليبيا واليمن وما جرى من قبل في تونس ومصر؟ لا أملك دليلا دامغا على أن السيد الشابندر ربما كان "ينكّت"، لكن أعرف أن طريقة حديثه في البرنامج توحي بان الرجل يؤمن بكل كلمة قالها، وتلك هي المصيبة التي تحاصرنا فقد اكتشفنا أن الذين يقودون البلد هم مجموعة من "الروزخونية" تنتابهم حالة من الدروشة كلما سمعوا كلمات من عينة إصلاح وتغيير ومحاربة الفساد.وأزعم أن "الروزخون" هو النموذج السائد الآن في العراق، بمعنى أنه تعبير حقيقي عن الحالة التي تتلبس العديد من الساسة، ومن ثم سنجد الآلاف من أمثال الشابندر في مجالات عدة وليس فقط في السياسة، ولن نحتاج مجهودا كبيرا حتى نجدهم في دهاليز المجتمع المدني والحزبي، وأستطيع أن أحصي عشرة أحزاب على الأقل يرأسها روزخونية تفوقوا على الشابندر بدرجات، وقد طفحت شاشات الفضائيات بعدد لا بأس به من نموذج السيد الشابندر، حيث يجلس الواحد من هؤلاء بكامل أناقته، فاردا ساقية، محركا رقبته ذات اليمين وذات الشمال، ثم يبدأ الحديث بمنتهى الجدية مستفتحا المشهد بعبارات من عيّنة "أنا أعتقد أن الحديث عن الفساد مبالغ فيه"، أو "أن الحكومة أثبتت نجاحها"، وما هي إلا لحظات ويكتشف المشاهد المسكين الذي أخذ الموضوع على أنه مشهد جاد، أن المتحدث أحد أفراد جيش التسالي المنتشر الآن على سطح السياسة العراقية هذه الأيام.وإذا تركنا شاشة التلفزيون ودققنا جيدا في تصريحات هؤلاء الساسة الغارقة في قاع الرطانة والتكرار الممل سنكتشف أن "الشابندر" حاضر بقوة فيما نسمعه ونقرأه، وإحقاقا للحق فإن الكثير من الأحزاب السياسية في العراق لم تنج من هذا الفيروس سريع الانتشار الذي تسلل إلى حياتنا في غفلة من الزمن. الكثير منا يتعامل مع تصريحات بعض السياسيين باعتبارها نكتة أو تعبر عن رأيهم الشخصي فقط، لكن يبدو أن الأمر يعكس رؤية جزء غير قليل من السياسيين فهم لا يفرقون بين ما يقال في الجلسات الخاصة وبين ما يعلن عبر الفضائيات، لا أريد الدخول في جدل مع عزت الشابندر أو جماعة الروزخونية أو أي جماعة أخرى، لكن المشكلة أن الشابندر عضو في كتلة سياسية تحكم العراق، وبالتالي فالمسئولية الوطنية تحتم على الجميع مناقشة الشابندر وجماعته وسائر القوى السياسية في أفكارهم وبرامجهم ورؤاهم، على السيد الشابندر أن يشرح لنا أولا كيف يرى أن ما يحدث في الثورات العربية هو صراع بين الشيطان والإنسان، والأهم؛ ما المقصود بالضبط بعبارة وكلاء الشيطان وإذا كان يقصد أمريكا وأوربا فأتمنى أن يجيبني، هل سقطت دولة "قائد الجمع المؤمن" بسبب رغبة الشياطين في أمريكا وأوربا أم بسبب تعنت صدام وجبروته ودكتاتوريته؟ والسؤال الأهم؛ إذا كانت أمريكا ومن معها وكلاء للشيطان فكيف تسنى للشابندر أن يقبل المشاركة في عملية سياسية من صنع الشيطان "إذا اقتنعنا طبعا بنظريته"، وكيف يمكن لأي شخص أن يشارك الشيطان في مشاريعه؟ وإذا اتفقنا معه في هذا التصور فإن الله يكون قد انتقم من العراقيين جميعا لأنهم تخلوا عن القائد المؤمن ومشوا في ركب الشياطين، أليس هذا تفسيرا مضحكا لما يجري على الأرض من نضال في سبيل الخلاص من دكتاتوريات متعفنة أدمنت القتل وسرقة أموال الشعوب. أسوأ شيء أن يحاول البعض احتكار الوطنية أو تفسير الدين على طريقته الخاصة كما فعل السيد الشابندر الذي لم ينس أن يخبرنا بان احتجاجات العراقيين لا علاقة لها باحتجاجات الشعوب العربية، فالعراقيون حسب نظريته يعيشون في رخاء وبحبوحة يحسدون عليها، ولهذا فان احتجاجاتهم نوع من التسالي دفعت الحكومة ان تسمح لهم ليتسلوا كل جمعة في ظل حماية القوات الأمنية التي لم تعتد على أي متظاهر، والغريب حين سأله مقدم البرنامج عن الشباب الذين تم اعتقالهم وتعذيبهم أجاب والسخرية تطفح من وجهه "هؤلاء مزورون"، طبعا لا أريد أن اسأل السيد الشابندر عن الطريقة التي اكتشف فيها أن هؤلاء الشباب مزورون، ولكني أريد منه أن يجيبني على سؤال ظل يؤرقني طوال الليل، كيف اكتشف الشابندر أن الـ 27 مليار دولار التي صرفت على الكهرباء موجودة تحت الأرض؟، هذا ما سنحاول أن نناقشه مع فيلسوف العصر في عمود الغد فانتظرونا لنتسلى معا.
العمود الثـامـن: شياطين الشيخ عزت الشابندر
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 22 أغسطس, 2011: 10:22 م