د. طالب المحسنتماما أفلح السوريون حينما أطلقوا تسمية (شبيحة)على القتلة، كما أفلح التونسيون بإطلاقهم شعار الشعب يريد إسقاط النظام ،وكذلك المصريون حينما رفعوا شعارات مليئة بالسخرية وهي امتداد لخفة دمهم المعهودة.شبيحة... تسمية مشحونه بالرعب ،فهنالك عدو يترصدك ولكنك لا تراه.
قلت للمريضة التي تعاني من هلاوس بصرية.. تفضلي حجية فقد حان دورك للفحص لكنها بقيت في مكانها ولم تنهض إلا في المرة الثالثه قلت لها: هل مفاصلك منعتك من الدخول؟ قالت: كلا فأن الذي معي منعني في المرتين اللتين ناديتني بهما وفي المرة الثالثه سمح لي بدخول غرفة الفحص... ومن هذا الذي معك ؟.. قالت: الشبح .قد يعاني الإنسان من هلاوس بصرية وسمعية وشمية وحتى حسية وكلنا يتذكر فيلم العقل الجميل وكيف كانت الأحاسيس بالهلاوس وكأنها حقيقة . الشيء الذي أريد أن أقوله إن صورة الشبح التي تراها لا يراها غيرك , إنها مثل بصمة الإبهام خاصة بك , إنها ملكك كما آنت ملكها!! . في سوريا خرجوا بشكل أسطوري عن هذا الوصف وأصبحت الأشباح ملكية جماعية!! وهذه صورة من صور التوحد الشعبي للسوريين تجاه العدو الشمولي العتيق.قبل ربع قرن وحربنا مع إيران مستعرة أوارها، كان الطاغية لا يتردد عن إعدام من يتراجع أو يترك ميدان المعركة ،وهكذا كانت الإعدامات ،وكان على عائلة المعدوم أن تذهب لتسلم جثة ابنها بعدما تدفع مئة فلس ثمن طلقات السلطة التي سلبت حياته , وبهدوء يواروه التراب وبدون علامات حزن أو عزاء بل على العائلة أن تمحو ذكراه لكنه يأبى إلا أن يتربع على عرش ذاكرتهم الحزينة , من قتله؟ كيف تعاملوا معه؟ لا أحد يسأل عن ذلك هؤلاء هم أشباح الانظمه . لكن أشباح سوريا اليوم مضطره للخروج ولكونها ظلامية فلا تستطيع مواجهة الشمس إنها خلف أسوار البنايات , في البساتين او في الجحور يصدرون الموت ثم يعيدون الى كهوفهم . في العراق أيضا تخرج أشباح , تزهق أرواح الناس ثم تعود أدراجها ولا ادري لماذا سلط العراقيون الضوء على أداة القتل مثل كاتم الصوت أو عبوة أو مفخخة أكثر من القاتل نفسه بل راح المشرع العراقي يصوغ قانونا على أداة القتل !! مثلما أطلق البغداديون في السبعينيات على الجرائم التي حدثت بجرائم أبو طبر ورغم تضمينها القاتل إلا أن الأداة وليس القاتل هو ما يلفت نظرنا ،وهذه مفارقة أتمنى من المعنيين دراستها لكن تسمية الشبيحة أراها صائبة جدا . لقد افلح السوريون ثانية بإخراج الشبيحة من أقبيتها ليكون الصراع واضحا ولا رجعة فيه , وتحت الشمس لا تنهزم الشعوب .
أشباح خارج الأقبية
نشر في: 23 أغسطس, 2011: 06:19 م