TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثـامـن :الشابندر "كلاكيت" مرة ثانية

العمود الثـامـن :الشابندر "كلاكيت" مرة ثانية

نشر في: 23 أغسطس, 2011: 09:49 م

علــــي حســين لو لم يكن الكذب موجودا لاخترعناه، حتى ينام رئيس الحكومة ووزراؤها وكبار موظفيها ملء أجفانهم بلا وخزة ضمير واحدة، منتهى العبث والتهريج والاستهتار بعقول العراقيين إن يقال لهم إن الحديث عن الفساد وسرقة المال العام هو حديث مبالغ فيه، ومنتهى الاستهانة بتضحيات الناس وآلامهم ومعاناتهم أن يخرج عليهم الشابندر ليقول أن "الـ27 مليار دولار التي صرفت على الكهرباء لم تذهب هباء ولم تسرق وإنما هي موجودة تحت الأرض"، مضيفا بلهجة الواثق أن "هذه الأموال صرفت على البنى التحتية للبلاد".
وأنا استمع الى حديث الشابندر تصورت أن الأمر لا يعدو كونه نكتة أو محاولة لكسر الملل والرتابة، فيما الواقع يقول إن منطق استغفال الناس والضحك عليهم هو السائد في أوساطنا السياسية، نعم هناك إصرار غريب على تحويل الفساد والسرقة والانتهازية إلى بطولة ونبوغ وعبقرية، مرافعة مضحكة عن الحكومة تجعل الوضع الذي يمر به العراق أقرب إلى كاريكاتير ممتد من أقصاه إلى أقصاه، وأظن أن هذا هو الوصف الأدق لكل ما يدور على أرض الواقع لأننا نعيش زمن السياسات الكاريكاتيرية، مع ساسة ومسؤولين يعشقون الكوميديا ويمارسونها طوال الوقت، لعل الشابندر في حديثه يريد أن يقول لنا إن التصدي للفساد مرادف تماما لعداء الحكومة، ومعنى ذلك، أنا وأنت ومعنا جميع العراقيين ليس أمامنا إلا أن نصفق ونبايع ونؤيد ونزكي كل ما قامت به الحكومة ومقربيها لنفوز برضا الشابندر والشلاه والعسكري، ومن ثم نحصل على صك الوطنية، أما أن ننزعج ونحزن ونأسى على سرقة اموال الشعب ونشعل الضوء الأحمر في وجه سياسات الحكومة ومفسديها، فأننا نتحول بقدرة "شابندرية" إلى مارقين مترصدين حاقدين على النظام السياسي وفلاسفته الأفذاذ. إذن أيها السادة لا مفاجأة على الإطلاق، أن نكون ثاني بؤساء العالم، وأن نحصل على مراكز متقدمة في الدول الأكثر فسادا فهذه كلها انجازات ستضاف إلى قائمة الإنجازات العملاقة التي بشرنا بها السيد الشابندر،  ما المفاجأة في بلد يريد له ساسته أن يستقيل من التاريخ، ما المفاجأة ونحن نرى كل يوم مسؤولين وسياسيين يطلون برؤوسهم من على شاشات الفضائيات وهم يتحدثون عن الانجازات العظيمة التي تحققت خلال السنوات الماضية؟، ما المفاجأة حين يخرج رئيس الوزراء ليقول إن حكومته بدأت برنامجا طموحا لتحديث المجتمع العراقي وانتشاله من مستنقعات التخلف والأمية؟، ما المفاجأة والشابندر يصر على أن للحكومة فضائل كثيرة وانجازات لا تعد ولا تحصى من تحسين الخدمات وحتى القضاء على البطالة وتطوير قطاعات التربية والتعليم والصحة، مرورا بالإنجازات العملاقة في مجال الكهرباء والإسكان والطرق والجسور، باختصار يريدون منا أن نؤمن بأننا نعيش في جنة على الأرض.حديث الشابندر يكشف إلى أي مدى يمارس بعض الساسة ألوانا مبتكرة من خداع الناس، والأخطر أنهم بلغوا مرحلة غير مسبوقة من الانفصال عن مشكلات العراقيين وهمومهم، ومن ثم لا نعرف متى يتحدثون وكيف وأين؟.لست ضليعا في شؤون الاقتصاد، لكني أعرف وأرى أن الفساد وصل إلى مراحل دفعت منظمات دولية أن تتحدث وتنشر وقائعه أكثر مما تحدث عنه العراقيون، وأعرف كما يعرف الجميع أن الأموال التي "سرقت" على مشاريع وهمية كان يمكن لها أن تعيد بناء العراق، وأرى كما لا يرى الشابندر أن الحكومة التي تبشرنا كل يوم ببحبوحة المشروعات العملاقة لا تحترم كفاءات مواطنيها وخبراتهم وإنما تصغي لأصوات النفاق والتزلف التي تنطلق من "المقربين" كل يوم. إن حديث الشابندر عن البنى التحتية يعنى ببساطة أن صاحب هذا الاستنتاج العبقري لا يحترم عقولنا، وربما يتصور أن المشاهد بلا عقل من الأساس، ولذلك سولت له نفسه الأمارة بالعبث أن يترجم السرقات التي حصلت في قطاع الكهرباء إلى مشاريع في الخيال لا يراها الناس ولكنها حسب نظرية السيد الشابندر موجودة وبقوة على ارض الواقع وهذا يعني أن ملف الكهرباء لا تشوبه شائبة، ويعني أكثر أن الشعب ظلم الحكومة وسرق منها فرص النجاح والتفوق. كنت أتصور أن الأمر لا يعدو أن يكون نكتة أو محاولة لكسر الملل والرتابة، غير أنه بات من الواضح أن منطق الشابندر لا يزال حاكما في حياتنا، ولو مددنا الخيط إلى آخره تأسيسا على هذا المنطق فإننا داخلون لا محالة إلى مرحلة من الاستسلام التام لما يقوله العرافون والمشعوذون والدجالون، وربما تطورت هذه الحالة من الخدمات إلى مجالات أخرى أخطر في حياتنا.. ليس من بينها السياسة بالطبع لأننا في هذا المضمار ودعنا العقل والمنطق منذ زمن بعيد، وباتت مصائرنا مرهونة بإطلالة أو تصريح لأحد نجوم المسلسل الكوميدي "مقربو الحكومة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram