من بين خمس وعشرين دار سينما عرفتها الموصل طوال تسعين عاماً، لم تبق سوى ثلاث فقط، يرن جرسها طوال ساعات النهار، دون ان تستكمل سافاً واحداً من المشاهدين، رغم أنها تعلن عن عدة أفلام في آن واحد، وتضع ملصقات تغطي بها جميع الأذواق والأعمار، وتركز بشكل أساس على جذب المراهقين.
سميراميس، النجوم، إشبيليا، دور بائسة تنتظر معجزة ما، تعيدها الى مجدها القديم قبل 1980. تنقلنا بينها في محاولة للحصول على تصريح من إدارة اي منها للحديث عن واقع عملها، إلا أن الكلام قوبل برفض تام، وكان اتفاق سرّي ابرم حول ذلك. الملصقات في واجهاتها متحفظة، وتظهر في العادة نجوم المغامرات والحركة المحبوبين مثل جاكي شان، أو فاندام، أو جت لي، وفي المدخل يقل التحفظ، فتظهر فاتنات يعششن هناك منذ عقود كالتركيتين هوليا أوفشار، وسبيل كان، والأمريكية شارون ستون، أما الأفلام المعروضة، فلا تبقي على التحفظ من شيء، كل ذلك في محاولة لإقناع محبي الشاشة الكبيرة العودة الى مقاعدهم، لكن دون جدوى.في عام 1921أنشئت أول دار سينما في مدينة الموصل باسم ( الهلال)، وأول فيلم عرض فيها كان (المتشرد) لشارلي شابلن، تذكرت هذه المعلومة وأنا أعبر عتبة سينما إشبيليا في وسط شارع الدواسة، حيث قابلني ملصق كبير حمل اسم المرتزقة، مكتوب عليه بحروف حمر كبيرة( أضخم انتاج سينمائي في دور العرض لعام 2010، بطولة عمالقة هوليوود). ممر ضيق، جدرانه مغطاة بالملصقات الدعائية لأفلام غالبيتها العظمى قديمة، وقد عرضها الكثير من دور السينما الأخرى في الموصل قبل موتها، (كونان المدمر) و(الرجل الصاعقة) أورنولد شوارزنجر، و(شرطة بفرلي هيلز)أيدي مورفي، (حب ورصاصة) شالز برونسن، و(التوأم) جاكي شان، مع لافته بثلاثة ألوان تشير الى ان هذه الافلام هي مفاجأة سينما اشبيليا بمناسبة عيد الفطر. الممر ينتهي بشباك تذاكر، أحيط بثلاث لافتات مكتوبة بخط اليد، الاولى تشير الى سعر التذكرة وهو 2000 دينار، والاخرى، تؤكد منع دخول رجال الأمن بأسلحتهم بناء على اوامر الجيش والشرطة، والأخيرة تمنع إدخال المشروبات الروحية، وفي المدخل المؤدي إلى قاعة العرض، يقوم عامل في السينما بتفتيش الداخلين كما يحدث في أي نقطة تفتيش عادية. السينما من الداخل، تشبه مصيدة ما، الواقع فيها لا يمكن ان يكرر حماقة الدخول الى هناك، بسبب افتقار المكان الى أبسط مقومات العرض السينمائي، فكل شيء متهالك، والعرض المستمر للأفلام ليس إلا خروج تام على الذوق العام في غفلة من الرقابة. "أي رقابة" يقول الموظف الحكومي إياد عزيز( 49 سنة) الذي التقيناه قرب باب سينما اشبيليا، وتابع : " الأفلام التي تعرض خليعة، وهم يخاطبون جمهورا خاصا، وحتى الملصقات" ثم اشار الى صور موزعة في اعلى جداري العرض، تظهر ممثلات بثياب السباحة او النوم، وحتى بدونها. وأضاف إياد: هذه السينما تحديداً، كانت تعرض في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي أجمل الأفلام الأجنبية وأحدثها، وما زلت وانأ أمر بها أتذكر كيف كان مثقفو المدينة وعائلاتها يرتادون السينما بكل احترام، وكانت الملصقات مختومة من قبل وزارة الثقافة، كل شيء كان يحترم الذائقة، ويعكس صورة عن واقع المجتمع، كل ذلك تبخر مع الحروب التي عشناها، وبدأت الأشياء تنهار، ومن بينها دور عرض السينما، مع نهاية الثمانينيات مرورا بعقد التسعينيات وهي فترة الانتكاسة الحقيقية، حتى وصلت الأمور الى ماهي عليه الآن من سوء. في ذات الرصيف، قبالة مدخل السينما، تنتصب بسطية تعرض مختلف أنواع السي دي، أغان وأفلام عربية وأجنبية، استطعت ان أميز سافا طويلاً منها، لا تختلف صورها عن تلك التي تعرضها السينما في اعلى جدرانها، والمفارقة أنني وعلى بعد خطوات من ذلك، وقفت على مشهد كان بطله شرطياً، يعنف مراهقاً يحمل تفاحةً وبدا انه يلوك قضمةً منها، سمعت الشرطي وأنا أمر باتجاه سينما سميراميس : " طبعاً إذا من الله ما تستحي والدنيا رمضان، راح تستحي مني) ؟! على بعد 100 متر فقط من مبنى محافظة نينوى، ومجلس المحافظة، وتحديدا في مدخل شارع الجهورية تقع سينما سميراميس، بدت نسخة كاربونية، من نظيرتها اشبيليا، حتى في نوعية الملصقات المعروضة، باستثناء ان عامل التذاكر كان يملك حسا دعائيا خاصاً لانه اقترب مني وأنا أتأمل باندهاش ملصقاً كبيرا لفيلم يحمل عنوان ( خمسة أولاد كلب)، قال بابتسامة ماكرة: " الفيلم جوه غير شكل". في منتصف شارع حلب، كان جرس سينما النجوم أقدم سينمات الموصل مازال يرن بصبر، وقد حافظت على اتجاهها القديم ولم تبارحه في عرض ملصقات وأفلام الإغراء، مع لمسة طفيفة لبعض ملصقات افلام الأكشن، استعداداً لأيام عيد الفطر المقبلة. باستثناء ذلك، فإن سينما الخيام و سينما أطلس، هدمتا وشيد مكانهما مبنى مجلس محافظة نينوى الحالي، وتحولت سينما حمورابي، الى محل لبيع الأثاث، وسينما غرناطة الى مختبر غرناطة للتصوير السريع، وسينما الحمراء وا
الموصل عرفت 25 دار عرض سينمائية خلال تسعين عاماً
نشر في: 24 أغسطس, 2011: 07:35 م