ابتداءً أجد واجباً التنبيه إلى اختلافي الكلي مع كل سياسات جماعة الإخوان المسلمين، بشكل خاص، والإسلام السياسي بشكل عام، بغض النظر عن المذهب الذي يعتنقه ذلك الفكر، وذلك انطلاقاً من احترامي للدين، وقناعتي بأن الانتماء الوطني مقدم على ذلك، خصوصاً في منطقتنا، التي تتعدد فيها الديانات من جهة، والمذاهب من الجهة الأخرى، وأتوقف دائماً عند تلك الجملة العبقرية، التي انطلقت من الشارع المصري، أوائل القرن الماضي، وهي ( الدين لله والوطن للجميع )، وهي جملة جامعة تحترم الدين، باعتباره علاقة بين الإنسان وخالقه، وتلحظ الإنتماء الوطني، باعتباره جامعاً لكل المواطنين، في وطن يحترم مواطنتهم، بغض النظر عن ديانتهم.
مناسبة هذه المقدمة، هي الدعوة التي أطلقها القيادي الإخواني المصري عصام العريان، ليهود مصر، بالعودة من إسرائيل إلى موطنهم الأصلي، وأن يرفضوا العيش، تحت احتلال غاشم دموي وعنصري، ملوثين بجرائم حرب ضد الإنسانية والبشرية، ولم ينسى العريان شن هجوم على الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حيث رأى أن ما فعله ناصر بطرد اليهود من مصر، ساهم في احتلال أراضي الغير، ولم يكن غريباً أن تتعرض دعوته هذه إلى الهجوم والإدانة من بعض القوى السياسية، التي تصف نفسها بالقومية، حيث استنكرت اتهام العريان لناصر، بطرد اليهود المصريين من وطنهم.
القومجيون أكدوا معارضتهم الشديدة لدعوة العريان، باعتبارها خطيرة جداً، وتؤكد رغبة الإخوان في التقرب إلى إسرائيل وأميركا، وتعطي اليهود انطباعاً بأن الإخوان ليسوا معادين لليهود، أي أن هدفها الأساسي هو خدمة أهداف الإخوان المسلمين، وتحقيق مكاسب حزبيةً على حساب القضية الوطنية، ولسنا على بينة عن أي قضية وطنية يتحدث هؤلاء، خاصةً حين يستطردون إلى ما يعتبرونه الأخطر في تلك الدعوة، وهو أن اليهود يطرحون اليوم فكرة استعادة أملاكهم بمصر، ويطمحون لتحقيق ذلك، وكأن على من تم تجريده من أملاكه، سواء كان يهودياً أو غير ذلك، أن ينسى حقه، في حين يتبارى القومجيون أنفسهم، في الدعوة لاستعادة الفلسطينيين لحقوقهم المسلوبة، وهم هنا يكيلون بمكيالين.
لايأتي العريان بجديد، فهو يطرح جزئية من مشروع، كانت منظمة التحرير الفلسطينية تبنته في سبعينات القرن الماضي، وهو مشروع نجح جزئياً في بعض الأقطار العربية، كالمملكة المغربية، وفشل ذريعاً في العراق، وكان أشد المعادين له قادة اليمين الصهيوني، بالتشارك مع القومجيين العرب، أصحاب الأصوات العالية والفعل المنعدم، ويومها لم يسأل أحد عن أعداد العرب اليهود في إسرائيل، ولا عن تأثير عودتهم إلى أوطانهم الأصلية، على إسرائيل من ناحيه، وعلى الأوطان التي يعودون إليها من ناحية ثانية، وما هو حجم الخسائر والأرباح من تلك الهجرة المعاكسة، وما هو حجم ممتلكاتهم التي يطالبون باستعادتها، وهي حق لهم، إن لم يكونوا باعوها بشكل رسمي وعن رضى.
وبعد، هل نملك الشجاعة للاعتراف بأن العراقيين اليهود، لم يهاجروا طوعاً، وأن مشاعرهم حتى اليوم متعلقة بوطنهم الأم، وأنك تشعر كأنما أنت في بغداد أو الموصل، بمجرد دخولك حياً من أحيائهم في إسرائيل، وهل نملك الشجاعة للاعتراف بأن السلطات المصرية، بذلت كل جهدها لدفع المصريين اليهود إلى الهجرة من وطنهم، وأن هؤلاء حتى اللحظة يتملكهم الطرب، حين استماعهم لأم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش، وهل نمتلك الشجاعة للاعتراف بحق هؤلاء كمواطنين، سواء من المغرب أو تونس أو ليبيا في العودة إلى أوطانهم، كما نطالب بحق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم.
لا نخاف أصحاب الأصوات العالية، ولا المتطرفين العنصريين الصهاينة ونحن نؤكد حق المواطنة للعرب اليهود الذين تم طردهم من ديارهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم، بحجة الدفاع عن فلسطين، بينما تؤكد الحقائق، أن ذلك كان لمصلحة الدولة العبرية، وضد الفلسطينيين.
العرب اليهود وحق العودة
[post-views]
نشر في: 30 ديسمبر, 2012: 08:00 م