علـي حســينمثل غيري من ملايين العراقيين كنت احلم بأن يقدم نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني استقالته بسبب فضيحة العقود الوهمية والتي أثبتت الوقائع والوثائق مسؤوليته الضمنية عنها، إلا أن أحلامنا تتحول بفعل قرارات الحكومة إلى كوابيس، فلم يسدل الستار بعد على ملف عقود الكهرباء حتى خرج علينا رئيس الوزراء بفرمان سلطاني يمنح فيه وزارة الكهرباء للسيد الشهرستاني،
إذن أيها العراقيون لا تحلموا باستقالة أي مسؤول مقرب من الحكومة، والسبب؛ لأننا نعيش في العراق وليس في بريطانيا أو حتى الأردن التي يستقيل فيها المسؤولون لأسباب تبدو لنا تافهة جدا ، مثل سوء في التعبير أو وفاة مواطن عن طريق الخطأ، أما إذا كان الأمر متعلقاً بالكذب على الناس، فالمسؤول لن يكتفي بالاستقالة من منصبه، وإنما يستقيل من الحياة السياسية بأكملها، المؤكد أن كثيرا من العراقيين يشعرون بالحسرة وهم يشاهدون كل يوم أمما وشعوبا تتحرك لتعديل أوضاعها، أو تصحيح بعض الأخطاء في مسيرتها وتجربة كل ما هو جديد، ما يفرقنا عن هذه الشعوب أنها تملك قوى حية وفاعلة للتغيير مقابل موت الحركة السياسية في العراق بسبب لعبة الكراسي التي يتصارع عليها الجميع. قرارات رئيس الوزراء تجعلنا نؤشر بوضوح إلى حالة من الالتباس والجمود والتردد بشأن أية قضية، مما يجعل أي شخص عادي لا يستطيع فهمها بصورة واضحة، المطَّلِع على طريقة التفكير الحكومي سيشعر أن غالبية الوزراء لا يعرفون ماذا يفعل زملاؤهم في ملفات ينبغي أن يكون هناك تنسيق بشأنها، ولو كان هناك مثل هذا التنسيق ما تفجرت قضايا كثيرة. اللغز الأكثر إثارة الذي نعيشه اليوم، هو كيف ستحل أزمة الكهرباء التي استعصت منذ ثمانية أعوام عجاف.. هناك فريق كبير من المسؤولين يقول إن أزمة الكهرباء سياسية، لكن هناك فريقا كبيرا أيضا من المقربين يقاتل من أجل ألا تخرج وزارة الكهرباء من يديه، وبين هؤلاء وأولئك فريق ثالث ينتظر، هو هذا الشعب المسكين الذي يعيش في ظروف سيئة. وفي هذا الصدد، كنا قد سمعنا تصريحاً للسيد الشهرستاني عند توليه وزارة الكهرباء وكالة أيضا عام 2010 بعد استقالة كريم وحيد، حيث قال بالحرف الواحد "سأسعى لوضع خطط جديدة للنهوض بواقع الكهرباء"، ومضت الأيام والشهور والناس لم تر سوى الظلام وبعد أن تولى الشهرستاني نفسه منصبه نائبا لرئيس الوزراء قال في مؤتمر صحفي "إن الكهرباء ستكون من أولويات لجنة الطاقة"، تجليات النظرية الشهرستانية يمكننا أن نلاحظها في التصريحات المتناقضة التي ظهرت بعد فضيحة العقود الوهمية والجدل بشأن مسؤولية الوزير أم مسؤولية نائب رئيس الوزراء، وهو جدل يدخل ضمن معظم قصص الفساد التي يتم كشف الكثير منها، لكن سرعان ما يسدل عليها ستار النسيان لأسباب لا يعلمها إلا الله و"المقربون من الحكومة". ولأن العشوائية هي المتحكم الرئيسي في كل حياتنا فيصعب أن نعثر على رقم واحد وحقيقي للمبالغ التي صرفت على الكهرباء، فاللعب بالأرقام سياسة حكومية مستمرة منذ أن أقسم السيد الشهرستاني بأنه سيجعل العراق في مقدمة البلدان المصدرة للنفط وأطلق تصريحه الشهير عن ثمار الزيادة في صادرات النفط،، ثم طور السيد المالكي الأمر بأن قال "إن العراقيين يعيشون أزهى عصورهم"، طبعا الفقراء في العراق لا يشغلهم كم تبلغ نسبة النمو، وهل زاد العجز أم حدث انكماش، ولا تشغلهم تعبيرات الشهرستاني عن ثمار التنمية، كل ما يشغلهم عجزهم الشخصي عن تلبية احتياجات أسرهم، وأن يملكوا مالا كي يروا ثمار التنمية في سكن صحي وكهرباء مستقرة ومستقبل امن لأبنائهم. ما ينبغي أن نلفت إليه نظر رئيس الوزراء وكل المسؤولين في الحكومة، هو أن يسألوا أنفسهم لماذا لا تصدقهم الناس؟ وأرجو ألا يلجأ السيد الشهرستاني إلى أرقام وبيانات حكومية نعلم ويعلمون كيف تمت وتتم.ما أتمناه بصدق من الجميع أن يكلفوا فريق بحث ميداني لينزل متخفيا إلى الشارع ويسأل الناس عن حقيقة مشاعرهم ورأيهم في الحكومة وسياساتها، شخصيا اعرف ماذا ستكون النتيجة، لانني وعلى كثرة ما تجولت في الشوارع واحتككت بالناس، لم أسمع الكثير منهم يتحدثون باحترام عن الحكومة ورجالها، قد نكون شعبا ناكرا للجميل، وقد يكون الإعلام لا يبحث إلا عن الغريب والمثير في الأخبار، وربما يكون عميلا ويطبق أجندة خارجية، لكن في كل الأحوال هناك مشكلة حقيقية بين الحكومة وبين الناس، وهذا هو الأمر الذي ينبغي أن يُقلق المالكي ويجعله يتخذ القرار المناسب، أتمنى ألا يكون القرار تخصيص "شهرستاني" لكل مواطن كي يعلمه كيف يستفيد من ثمار الزيادة في صادرات النفط.
العمود الثـامـن: "شهرستاني" لكل مواطن
نشر في: 24 أغسطس, 2011: 09:44 م