TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تقليد الفقيه

تقليد الفقيه

نشر في: 30 ديسمبر, 2012: 08:00 م

مشكلة الصوفي أنه يقف على الحد الفاصل بين الفقيه والنبي، ولذلك هو يرى من الدين ما لا يراه الفقيه، وهذا ما سبب أزمة مستمرة بين الطرفين، فالصوفي يعتقد بأنه فوق شريعة الفقيه، إذ هو يأخذ معارفه مباشرة عن الله بالعرفان، بينما الفقيه يأخذها عن طريق البرهان، وبما أن البرهان "طريق العاطلين" كما يعتقد الصوفية، وبما أن الأنبياء لم يستخدموا هذا الطريق في التحصيل، لذلك لا يجد الصوفي بنفسه حاجة لتقليد الفقيه.
من جهة أخرى يعتقد الفقيه بأن فتاواه شاملة لجميع المكلفين باستثناء الأنبياء، وبما أن الصوفية ليسوا أنبياء فيجب عليهم أن يذعنوا لخطابه، ويندرجوا تحت رايته. وهذه المشكلة سببت توتراً في العلاقة بين الطرفين راح ضحيتها بعض أهم الصوفية. وأخفت تحتها مشكلة أكبر، أو بالأحرى أخفت تحتها ازدواجاً اشترك فيه الطرفان؛ فمن جهة هناك ازدواج الفقيه الذي رفض طريق العرفان في تحصيل المعرفة، مع أنه طريق الأنبياء. وفوق ذلك لم يقدم دليلاً في رفضه هذا، سوى عدم قناعته باستحقاق أي من الصوفية لهذا المستوى من التحصيل. وهناك من جهة أخرى ازدواج الصوفي، الذي لم يقتنع بطريق البرهان، ولا بالشريعة المبنية عليه، وهو مع ذلك لم يستطع أن يقدم بديلاً عن شريعة الفقهاء التي اعتبرها بعيدة عن دين الأنبياء.
هذه المشكلة بين الفقيه والصوفي كان يمكن لها أن تمتد لتشكل أزمة بين الفقيه والنبي، أو بين العرفان والبرهان، إلا أن الثقافة الإسلامية سارعت لمعالجة الازدواج الناشئ من قبول العرفان في شكله النبوي، ورفضه في شكله الصوفي، من خلال تأطير عرفان النبوة بإطار الوحي، الذي جُعل حداً فاصلاً بين النبوة والتصوف، ومنع الصوفية، من استخدام هذا المفهوم، عن طريق تهديدهم بفتاوى التكفير. غير أن هذا الحد لم يكن كافياً لطرد كامل تراث الصوفية من دائرة النبوة، خاصَّة وأن بعضهم تحدث عن خطابات مباشرة بينه وبين الله! فنجد في تراثهم الكثير من الكلمات من قبيل: حدثني، وقال لي، وأسرَّ لي. وخير مثال على هذا الاستخدام كتاب "المواقف والمخاطبات" للنفري، الذي يحتوي على الكثير من الكلام المباشر بين الرب وبين العبد.
بالمحصلة هناك ازدواج في قبول الفقهاء لتراث الأنبياء ورفضهم لتراث الصوفية، وهذا الازدواج لم تعمل المنظومة الإسلامية على معالجته بشكل جذري، وهو لم يزل بحاجة للمزيد من النقد والتحليل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

جامعة بغداد، منارة العلم والمعرفة في قلب العراق

العمود الثامن: غابات السامرائي

العمود الثامن: عندما يغط البرلمان بالنوم !!

هل سيحول إيلون ماسك الحكومة الأمريكية الى شركة..؟

قناطر: مسلسل معاوية... جرُّ القناعات الى مسلخ الأوهام

طهران: العقوبات الأمريكية الجديدة دليل على الخداع وخرق القانون

المدى/بغداد دانت الخارجية الإيرانية بشدة فرض الولايات المتحدة عقوبات على شخصيات إيرانية بينها وزير النفط محسن باكنجاد، وناقلات نفط وشركات تجارية عدة. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إن "العقوبات الأمريكية الجديدة على...

العمود الثامن: أحلام الليبرالي الأخير

 علي حسين هل شاهدتم مثلي رائد الليبرالية الحديثة في العراق قصي محبوبة وهو يقف بكل اريحية يقول لأحد مقدمي برامج هذا الوكت الفضائية: "هذا زعيم المجرمين". ولا تعتقد عزيزي القارئ أن رائد الليبرالية...
علي حسين

كلاكيت: الشباب في مهرجان الشباب

 علاء المفرجي بعد ماراثون كبير خاضته بغداد والمحافظات العراقية في أنعقاد المهرجانات السينمائية، والتي كانت تتشابه من حيث شكلها ومضمونها، بل وأخطائها حتما، فكان الفشل عنوانها، أو نتيجة للتسرع في إقامتها. انعقد نهاية...
علاء المفرجي

سوريا: من المأساة إلى الجريمة المضادة.. صيف الطوائف الحارق

أحمد حسن ما جرى ويجري في الساحل السوري، وخاصة في جبلة، يعيد إلى الأذهان أبشع الفصول الدموية التي عاشتها المنطقة، من مذابح الإيزيديين في العراق إلى المجازر التي ارتكبتها الجماعات الجهادية في مناطق النزاع...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram