انه آخر مقال في اصعب الاعوام، وبعده سندخل العام الثالث عشر من الألفية الثالثة، كرقم يتشاءم منه الاوربيون ويتفاءل به الصينيون، اما العرب والبابليون والفرس فمشغولون بأرقام اخرى مثل: ٤٠ و٧ و١٢، وقد خلصنا من رقم ١٢ في ٢٠١٢ وأتممنا ٧ سنوات مع المالكي، ولازلنا منذ ٤٠ عاما في مأزق سياسي سود وجوهنا امام الدنيا. ولاندري هل سيكون العام ١٣ بالنسبة لنا صينيا ام روسيا ام اوربيا، وهو على اي حال ليس فارسيا ولا بابليا او عربيا كما يقول صديقي الفلكي.
وأريد ان اختم هذه السنة بشكر طبيب عراقي هو اول من استجاب لمقترحي بشأن التحضير لاجراء بحث علمي حول تأثير جوعنا في الحصار على مستوى ادراكنا او معدلات ذكائنا. وقد كانت المناسبة في مقالي "جوع وغباء في العراق وايران" اشارتي الى دراسة ايرانية اكتشفت انخفاض معدل ذكاء بلاد فارس ثلاث درجات بسبب العقوبات الدولية التي افقرت موائد الناس هناك. فرحت اطمح لبحث عراقي يجعلنا نفهم اين اصبحنا اليوم. الدكتور احمد النواس وهو طبيب شاب وكاتب، بدأ يحضر لاكتشاف من هذا النوع وقد عثر في مقالين له بجريدة العالم على دراسة غربية تناولت حالة ألف طفل قرب سواحل افريقيا، وانتهت الى ان نحو نصف الاطفال الذين تعرضوا لسوء التغذية، اصبحوا بين سن ١٤ و١٧ عاما، اكثر عنفا وظهر لديهم سلوك غير اجتماعي (يتمرد على القانون ولا يحب التفاهمات وينحاز الى الحلول الجذرية). والجامعات مطالبة بتقديم نتائج جادة عن وضعنا لنفهم ما حصل معنا خلال اخر عشرين سنة، وماذا نحتاج لتصحيح الحال. ان الامر اذن قد لا يقتصر على تضرر الادراك بل ينتج غضبا وعنفا وممانعة للسلام.
لكنني لازلت اعتقد كما في المقال المذكور ان آثار جوعنا نحن الشعب امر يسهل علاجه، الا ان الاخطر منه هو الجوع العقلي لساسة بطونهم متخمة بينما يحرمون ادمغتهم من تناول طعام الحداثة، وبدل ان يعالجوا انهياراتنا، راحوا يغرقوننا بسيارات السايبا وعلاقات وطنية متأزمة وسياسة خارجية رعناء ويحاولون تضليلنا بأزمة طوزخورماتو لننسى فضيحة السلاح والكهرباء والغرق بأمطار الشتاء.
وعلى ذكر الامطار فإن اكثر ما صفع ضميري وانا جالس في غرفة دافئة امام الاي باد، مشاهد بثتها الشرقية او البغدادية عن أم كبيرة غرق منزلها في الامطار، ولا ادري هل كانت سنية يتظاهر اولادها في الرمادي، ام شيعية تحب المالكي او تعارضه مثل مقتدى الصدر، لكنها امرأة بسيطة كانت تخوض في "الموج" حول منزلها الذي بدا كمعبد غريق بكاه السياب قبل خمسين عاما، وتبحث عن دوائها. تقول للكاميرا بوجع: احاول العثور على دوائي الذي جرفته الامطار.
فيضان الفساد والفشل دخل بيت هذه الام وجرف امتعتها، وجرف دواءها. وهي اذ لا تملك مكانا للنوم فإنها لا تملك ايضا ثمن دواء جديد. وكلما اشتريت دواء الضغط والمعدة قال لي الصيدلاني: لازلت صغيرا على هذه العاهات. فأقول للصيدلاني: جيد ان لدي مالا اشتري به الدواء الالماني او السويسري، وماذا سيفعل الفقراء حين يمرضون؟ وبعد المطر صار السؤال: وماذا سيفعل الفقراء حين يغرقون، وليس لديهم مال للجوء الى مكان بديل يعصمهم من نتائج فشل السلطان، ولا مال لشراء دواء جرفته سيول الفساد المالي لاصحاب الكروش من كل الاحزاب؟
أماه.. ايتها العجوز، انت صورة للعراق، فنحن بلد مريض اضاع دواءه في "لجة الموج" وطال سقمه. وقد سبق لحافظ الشيرازي ان انشد قصيدة عظيمة لوصف حال كحالك يا سيدة تنعكس في عينيها صورة عراق او معبد غريق:
شابي تاريك وبيم موج وغاردابي تشونين هايل
كوجا دانند حالي ما سابوك باران ساحلها
الليلة ظلماء ونحن في لجة الموج الهائل وسط البحر
وهل يمكن لأولئك المتنعمين بالاسترخاء عند الشاطئ ان يتخيلوا فجيعتنا؟
انني اختم هذه السنة بالاعتذار لكل من ازعجه كمدي وحزني وقسوة احتجاجي، وبتكرار مناجاة نشرها شلش العراقي بلغته السلسة، وجعلت الجميع يذرف الدمع ليل السبت:
"يا رب السماء ان العراق حاسر الرأس حافي القدمين مهدم الروح، ارفق بحاله والق السكينة والمودة في قلوب اهله. انه وديعتك فارفق به. واهله على شفا حفرة من الضياع فاخرجهم منها".
شلش ودواء العراقيات والسلاطين
[post-views]
نشر في: 30 ديسمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 6
ابو سجاد
لاتتعب نفسك لان دعائك غير مستجاب لانك مومن دولت القانون
صالح الوائلي
تبعت أكثر مقالات الاستاذ سرمد خلال هذه السنة وكنت انتظر المقال الأخير وقد صدر كما توقعت ، فقد وقفت على نسبة 99% من هذه المقالات بطلها السلبي المالكي ، وليست المشكلة في نقد المالكي لكن المشكلة أنه اصبح عقدة قلم الأخ سرمد ، فحتى من يثبت القضاء كونه ارتكب جر
فاروق الشمري
عزيزي سرمد.. في عام 1993حدثتني ابنتي الطالبه في كلية طب بغداد..ان استاذ الطب الباطني طلب من كل الطلبه الحضور لمشاهدة اول حاله غريبه تحدث في العراق.. وعند حضورنا عرض علينا طفلين يعانيان من سوء التغيه وهي الهزال وانتفاخ البطن...ومن هنا بدأ المشوار...
ابو سجاد
لاتتعب نفسك لان دعائك غير مستجاب لانك مومن دولت القانون
صالح الوائلي
تبعت أكثر مقالات الاستاذ سرمد خلال هذه السنة وكنت انتظر المقال الأخير وقد صدر كما توقعت ، فقد وقفت على نسبة 99% من هذه المقالات بطلها السلبي المالكي ، وليست المشكلة في نقد المالكي لكن المشكلة أنه اصبح عقدة قلم الأخ سرمد ، فحتى من يثبت القضاء كونه ارتكب جر
فاروق الشمري
عزيزي سرمد.. في عام 1993حدثتني ابنتي الطالبه في كلية طب بغداد..ان استاذ الطب الباطني طلب من كل الطلبه الحضور لمشاهدة اول حاله غريبه تحدث في العراق.. وعند حضورنا عرض علينا طفلين يعانيان من سوء التغيه وهي الهزال وانتفاخ البطن...ومن هنا بدأ المشوار...