د. مهدي صالح دوّاي احتفل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بصدور التقرير (20) من تقارير التنمية البشرية، التي انطلق تقريرها الأول في عام 1990، تلك التنمية التي اختطت نهجا" مغايرا" لما سبقها، في محاولة جديدة لفهم التخلف، والسعي لحلول وآليات معاصرة لعلاجه وفقا" لأبعاد تتجاوز المؤشرات التقليدية الآنية، لتشمل رؤى معاصرة لاستثمار الحاضر، والتطلع إلى المستقبل من خلال التواصل معه ماديا" وبيئيا" وتكنولوجيا" واجتماعيا" عن طريق تمكين وإنصاف رأس المال البشري، وتأهيله نوعيا" باعتباره الوسيلة والهدف.
واللافت في أبعاد التنمية البشرية، تنوع مواضيعها من جهة، وقبولها الدولي (المتقدم والنامي) من جهة ثانية، إذ باتت دول العالم تتسابق للحصول على مراكز متقدمة في أدائها التنموي، لما يشكله ذلك من انجازات نوعية تفتخر بها الدول، وقد دأب البرنامج الإنمائي على اختيار عناوين مميزة لتقاريره السنوية لتكون مضامينها برامج عمل لتقديم المزيد من الحرية وتعدد الخيارات بهدف إطلاق مكنونات الإنسان الإبداعية بعيدا" عن القيود المادية والمعنوية والنفسية، وستضم الأقواس المبينة في الفقرات الآتية مسحا" لعناوين التقارير حسب سنوات صدورها من (1990-2010) مشفوعة بأسطر من التقييمات الفكرية لهذا النهج التنموي المعاصر: جاء التقرير الأول بعنوان (مفهوم وقياس التنمية البشرية)، متضمنا" استدراجا" تاريخيا" لجهود النمو والتنمية لعقود مابعد الحرب العالمية الثانية وصولا" إلى وضع صياغات نظرية رأت، بان تحقّق النمو الاقتصادي ليس بالضرورة هو الهدف، وإنما الكيفيات التي يدار ويوزع بها هذا النمو لمنفعة الناس، وبهذا الإقرار انعطف الفكر التنموي المعاصر نحو أسبقيات العدالة والأهداف النوعية كعناوين جديدة لتطوّر الإنسان. وفي هذا التقرير تم تصميم دليل مركب للتنمية البشرية راعى مؤشرات الدخل والصحة والتعليم ليكون أساسا" في قياس أداء الدول والمقارنة في ما بينها.لعل في اختيار عنوان (تمويل التنمية البشرية) للتقرير الثاني مايجزم بأهمية الأدوار الايجابية للسياسة المالية في دعم تطلعات التنمية البشرية، فلا إنصاف مع احتكار قلة لمصادر التمويل، ولاعقلانية اقتصادية مع إسراف مالي غير منتج، ولا حرية مع تفاوت كبير في توزيع الدخل. ويحمل العنوان الثالث (الأبعاد الدولية للتنمية البشرية) تدويلا" مبررا" لقضايا التنمية البشرية بعدما اتسعت مظاهر الهجرة والمعوقات التجارية والدين الدولي، وجميعها تسهم في استمرارية عدم المساواة بين الأمم.ولتأصيل الجانب الإنساني في قضايا التنمية البشرية، جاء عنوان (المشاركة الشعبية) ليؤكد الحاجة إلى تنمية بادوار شعبية في التخطيط والإدارة لها، لاسيما مع وجود نزعات لامركزية في الإدارة مع تنامي دور مؤسسات المجتمع المدني وادوار ايجابية للرقابة الشعبية. ومن منطلق التحرر من الخوف والعوز بأشكالهما العديدة، تناول التقرير الخامس بعنوانه (الأبعاد الجديدة للأمن البشري) مفاهيم جديدة للأمن البشري ليس على مستوى الجهود المحلية فحسب وإنما على المستوى الدولي، وقد جسد هذه الرؤية الكاتب التنموي د. باسل البستاني بقوله ؛ (ينبغي أن تقوم الشراكة الاقتصادية على أساس المصالح المتبادلة وليس على الإحسان، وعلى أساس التعاون وليس على المجابهة، وعلى أساس اقتسام السوق وليس على الحمائية، وعلى أساس الدولية البعيدة النظر وليس على القومية العنيدة). وكان تقرير عام 1995 المعنون (قياس عدم المساواة بين الجنسين) صريحا" بدعواته للمزيد من إشراك المرأة في جهود التنمية البشرية، أو مايعرف بتجنيس التنمية، لاسيما في المجتمعات الأقل نموا"، وقد تم تصميم دليل فرعي لاستيعاب ادوار جديدة للمرأة لتنويع أبعاد التنمية البشرية. لقد اقترب التقرير السابع كثيرا" لفك الاشتباك بين مفهومي النمو والتنمية، إذ جاء بعنوان (النمو كوسيلة للتنمية) ليؤكد مضامين مادية وأخرى نوعية تحققها الشراكة بين المفهومين، فلا تنمية بدون نمو يدعم برامجها النوعية، ولا نمو بلا تنمية لرأس المال البشري تدعم برامجه المادية. وفي طرحه المميز جاء عنوان (مقاومة قوى الفقر الجديدة في عالم متغير) ليشير إلى أبعاد جديدة للفقر تتجاوز المؤشرات المادية لتشمل مايعرف بفقر القدرات، فكان لابد من طرح حزمة من الحلول المحلية والدولية لمعالجة مظاهر الفقر المتنوعة وأهمها ؛ تمكين الناس في مجالات التعليم والتدريب واكتساب المهارات الجديدة. وفي التقرير التاسع المعنون (الاستهلاك من زاوية التنمية البشرية) كان التركيز واضحا" على الآثار البيئية السلبية للاستهلاك غير المنضبط، والذي أفرطت به الدول المتقدمة وتحملت نتائجه الدول النامية بانتكاسات غير مسبوقة في أنظمة البيئة، فالدعوة صريحة لاستهلاك أكثر عدالة دوليا" واقرب صداقة" للبيئة. وفي عام 1999 صدر التقرير العاشر بعنوان (العولمة بشكل إنساني)، مثيرا" العديد من التساؤلات حول توظيف العولمة تنمويا"، فما جاء به الاقتصاد المعولم لا يمكن ضبطه إلا بتعاون دولي مغاير لمرحلة ما قبل العولمة، فالعالم بحاجة إلى حاكمية دولية أكثر ميلا" لتطلعات العالم التنموية لاسيما مع وجود أنظمة اتصال وتواصل قرّبت تباينات العالم. لقد دشّن تقرير عام 2000 الألفية الثالثة تحت عنوان (حقوق
التنمية البشرية: عشرون عنواناً من التطوّر
نشر في: 27 أغسطس, 2011: 06:34 م