صفاء العبد انه في وضع لا يُحسد عليه .. اذ لا أدري كيف سيكون شعور الكابتن عدنان حمد وهو يقود منتخبا في مواجهة منتخب بلاده في مناسبة مهمة جدا مثل تصفيات كأس العالم لكرة القدم .. وقد يزداد الامر صعوبة عندما يكون المنتخب الذي سيواجهه هو من صناعته .. فاغلب نجوم منتخبنا الحالي هم من تلك التشكيلة التي ارسى اسسها حمد يوم كان مدربا لمنتخب شباب العراق الذي قاده الى الفوز ببطولة اسيا ، وبعدها يوم صار مدربا لمنتخبنا الاولمبي الذي قاده لإحراز المركز الرابع في الاولمبياد العالمي بأثينا!
نعم ، الامر ليس جديدا في دنيا الكرة ، فقد سبق حمد في ذلك اكثر من مدرب واجه الموقف الصعب نفسه .. ومن بين اولئك كان الفرنسي برونو ميتسو الذي قاد منتخب السنغال للفوز على منتخب بلاده في افتتاح مونديال عام 2002 .. وايضا كان هناك الارجنتيني خيراردو مارتينو الذي قاد منتخب الباراغواي ضد الارجنتين في تصفيات مونديال جنوب افريقيا فكان ان فاز عليه مرة وتعادل في الاخرى بحيث كاد يتسبب في اقصاء منتخب بلاده عن تلك التصفيات .. وقبل ذلك بسنوات كان هناك البرازيلي ايفرستو الذي قاد منتخب شباب قطر الى الفوز الذي اقصى به منتخب بلاده من ربع نهائي بطولة كأس العالم للشباب عام 1981!اقول: ان الامر ليس جديدا في عالم الكرة ، لكنه جديد تماما، بل وربما يكون غريبا عندنا على مستوى الكرة العربية واكثر على مستوى الكرة العراقية.فالعواطف هنا اقوى بكثير من كل المبادىء الاحترافية .. فمهما تحدثنا عن هذه المبادىء او القيم الاحترافية التي تجيز هذا التداخل، بل وتقره تماما ، بعد ان اصبح التدريب مهنة يعتاش منها الانسان شأنها شأن أية مهنة أخرى ، يبقى هناك هذا الترابط الذي يشد المرء الى وطنه والى كل شيء يرتبط بهذا الوطن بحيث يكون من الصعب جدا الوقوف في مواجهة تطلعات ابناء شعبه حتى وان كان ذلك في كرة القدم.لا، بل ان الأمر قد يزداد صعوبة عندما يرتبط بكرة القدم على وجه التحديد ، ويزداد صعوبة اكثر فاكثر عندما يتعلق بشعب يعشق كرة القدم بهذه الطريقة الخرافية التي تجعله يتناسى كل آلامه ومعاناته بمجرد ان يتسمّر في مواجهة شاشات التلفزة ليتابع منتخب بلاده وهو يخوض مباراة دولية .. واكثر فانها يمكن ان تجعله في اعلى درجات التحدي لكل الظروف الصعبة والمعقدة للتعبير عن فرحته بفوز يمكن ان يتحقق هنا اوهناك. شخصيا عانيت من موقف فيه بعض من هذه الحال .. فمع انني المعني دائما بمتابعة كل مباريات المنتخب القطري إلا إنني كنت ارفض دائما تغطية مبارياته عندما يكون في مواجهة منتخب العراق .. إذ لا أتصور أبداً أن أكون محايداً في مباراة تجمع منتخب بلادي مع اي منتخب آخر ، لذلك فقد كان قراري دائما ان اترك مثل هذه المهمة لصحفي آخر. صحيح ان القيم الاحترافية في العمل الإعلامي لا تختلف عن مثيلتها في ميادين التدريب ، إلا ان الأمر يبقى مرتبطا بالبنيان الثقافي للانسان .. وشخصيا اعترف بضعفي في هذا الجانب فالبناء الثقافي لديّ لا يحتمل ابدا التنازل عما يجول في خاطري ولا يقبل ان اعمل بالضد منه على الاطلاق حتى وان كان ذلك طبيعيا في دنيا الاحتراف! ومع قناعتي وتوقعاتي في ان يكون الامر مختلفاً مع عدنان حمد ، ليس لأنه اقل ارتباطاً ومحبة وانشدادا لوطنه ، وإنما لقناعاته الاحترافية التي ربما تكون اكثر نضجا لديه من غيره ، إلا إنني واثق تماما بان ذلك لن يكون سهلا أبداً في داخله .. وربما سيكون الامر مؤلما جدا بالنسبة له .. فبدلا من ان يكون باحثا عن الفوز للمنتخب الذي أرسى أسسه والذي يحمل اسم بلده العزيز سيكون جاهدا لإلحاق الهزيمة به عندما يكون في مواجهته الى جانب منتخب بلد آخر!أقول: كان الله في عونك يا ابا ياسر .. اذ لا ادري كيف ستكون مشاعرك وأنت تلحق الهزيمة بمنتخب بلادك ، لا سمح الله ، لتحقق فوزا مراً كالعلقم ، او كيف سيكون موقفك اذا ما اتهمت بالتقصير مع المنتخب الذي تقوده لتخسر مثل هذه المواجهة التي لم أكن أتمناها لك أبداً؟!جوهر الكلام : للاحتراف إيجابيات عدة لكن له وجه بشع في بعض الأحيان.
خارج الحدود:عندما يكون الفوز مراً كـ"العلقم"!
نشر في: 27 أغسطس, 2011: 06:46 م