عبد الخالق كيطانتحدثنا بالأمس حول أصحاب الحل الثالث في العراق، أولئك الذين تمنوا إسقاط ديكتاتورية نظام صدام ولكنهم وقفوا ضد الحرب الأميركية التي تريد تحقيق ذلك. ومناسبة الحديث ما يجري عربياً، وتصاعد بعض الأصوات التي تدعو إلى رؤية مشابهة: مع إسقاط الديكتاتوريات العربية ولكن لسنا مع ما يجري.
في الحالة الليبية ثمة تدخل أجنبي مشابه بشكل ما للتدخل الذي حصل في العراق. وثمة نقطة أخرى متشابهة تمثلها فصائل المعارضة التي رحبت بذلك التدخل. وفي الحالة التونسية والمصرية والسورية والبحرينية واليمنية لم يكن ثمة تدخل مباشر، هنالك تدخل غير مباشر (البحرين: صارت مسرحاً لتدخل اقليمي واضح ضد السلطة أو معها). وبالنتيجة، فإن تلك التحركات بمجملها كانت تحركات شعبية، وفي كل الأحوال يردد أصحاب الحل الثالث أن دولتهم تختلف عن الدولة سين، لماذا؟ إليكم الأسباب، باختصار:1. لأننا دولة مواجهة، وموقفنا واضح من الدولة العبرية.2. بسبب موقعنا الجغرافي الستراتيجي.3. بسبب الاطماع الغربية في بلادنا.4. بسبب التشابك الإثني والديني في بلادنا.5. بسبب التهديد الذي تمثله "القاعدة" في بلادنا، وما تمثله التيارات الأصولية من احتمال كارثي.6. حتى لا تتكرر التجربة العراقية في بلادنا (النهب والسلب والانفلات الأمني والحرب الطائفية التي استمرت لفترة).ويستطيع المتابع أن يرصد مثل هذه الأسباب وهي ترد على ألسنة اصحاب الحل الثالث في تعليقاتهم الصحفية ومشاركاتهم في تغطية الأحداث العربية الساخنة. فالواحد منهم إذا كان يقيم في الدولة المقصودة بالنقاش يحرص على أن لا يذكر النظام الحاكم بسوء خوفاً من بطش ذاك النظام، وفي الوقت ذاته يطرح فرضيات الحل الثالث حتى يرضي الجمهور المعارض للنظام ذاته. وإذا كان يقيم في دولة ثانية تراه يتحدث عن الحل الثالث منطلقاً من فوبيا: الخوف من الحرية (بالاعتذار لاريك فروم)، والتغيير، بالضرورة. إنه يرفع صوته عالياً: كيف أوافق على ما يجري وهؤلاء (يقصد: الثوار في بلده أو البلد الشقيق)، بلا برنامج عمل!، في الحقيقة مثل هذه الجملة عسيرة الفهم بالنسبة لي.إن أصحاب الحل الثالث العرب يريدون ثورة بمواصفات مخملية، رسولية، أسطورية. أما كيف، فإليكم الجواب: أن يقوم الثوار بتنظيم أنفسهم فكرياً، يكتبون بياناً عن مشروعهم الوطني، رؤيتهم للدولة المستقبلية، وتتضمن بالطبع النظر إلى الدين والدنيا، الطوائف والقوميات، العلاقات الخارجية، الاقتصاد في البلاد، وما إلى ذلك. إنهم يطلبون من مجاميع من الشباب اليائس والمحطم والذي شبع من الوعود وملّ من الخراب وصور القائد الأوحد الذي لم يعرف غيره في حياته (لنتذكر أن العقيد القذافي على سبيل المثال يمسك بالسلطة في ليبيا منذ العام 1969)، أن لا يبدأ ثورته قبل تنظيم نفسه فكرياً. وكيف ينظم هذا الحشد اليائس المذبوح بشعارات فارغة نفسه؟ كيف ينظم ملايين الشباب المصري الذين نزلوا إلى ميدان التحرير أنفسهم؟ إن الثورات الشعبية، كتلك التي تدور رحاها في بلادنا العربية، هي حدث مفصلي، لا يستند على تلك القواعد والرؤى التي يطالب بها أصحاب الحل الثالث. هذه الثورات تمثل جدلية تاريخية، بمعنى أن حدوثها أمر لا يمكن الوقوف أمامه، أو محاولة تجنبه، وهي ثورات ستستمر، وستقضي بشكل نهائي على الأنظمة التقليدية الديكتاتورية في منطقتنا بغض النظر عن النموذج الذي ستقدمه فيما بعد. الثورات الشعبية، مثل تلك التي نعيشها اليوم، لا يمكن النظر إليها كما لو كان منظموها أعضاء في حزب سياسي معارض له رؤيته الخاصة للبلاد... إنها لا أكثر ولا أقل من غضب يتراكم. وفي حالات تراكم الغضب في النفس أنت أمام خيارين: إما أن تطلق غضبك إلى الخارج أو تكبته في نفسك فتنتحر!
عين: أصحاب الحل الثالث عربياً
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 27 أغسطس, 2011: 09:35 م