علــــي حســينأية صورة سوف ترتسم في مخيلة الناس عن أسامة النجيفي ونائبيه عندما يقرأون أنهم خصصوا لأنفسهم مبلغ 350 مليون دينار عيدية، كما صرحت بذلك النائبة حنان الفتلاوي، سيقول قائل إن السيد النجيفي اصدر بيانا أكد فيه أن "هيئة رئاسة مجلس النواب دأبت ومنذ استلامها مهامها على تخصيص مبالغ معينة للحالات الإنسانية متضمنة معالجة بعض الحالات المستعصية ومساعدة العوائل المحتاجة
وفي هذا السياق قامت بصرف مبلغ 150 مليون دينار لتوزيعها على العوائل المحتاجة خلال شهر رمضان المبارك"، إذن الأموال أموالهم وهم أحرار في إنفاقها كما يشاءون، حتى لو وزعوها على أقاربهم ومعارفهم. لكن قائلاً آخر سيسأل أليس هذه الأموال هي أموال الشعب والتي من المفترض أن توزع من خلال قنوات شرعية، لا من خلال هبات يتصدق فيها المسؤولون على الناس. الكثير من السياسيين يشكون أن الإعلام يشوه صورتهم ويحاول الإساءة إليهم وأن كلمة سياسي او مسؤول صارت مرادفة لكل ما هو سيئ من النصب إلى السرقة، ومن القتل إلى التزوير والانتهازية، والمؤكد أن هناك رجال سياسة شرفاء يحرصون على أموال الدولة، لكن الصورة الكلية لدى جموع الناس تتكون مما ينشر عن النجوم الكبار من ساسة اليوم الذين اثروا في غفلة من الزمن. أول ما يتبادر إلى البسطاء والفقراء والعاطلين والمعدمين عندما سيقرأون أن رئاسة البرلمان خصصت لنفسها هذا المبلغ الكبير من الملايين هو أنهم سيحسبون كم يساوي هذا المبلغ مقابل راتب متقاعد أو منحة لأرملة، بعدها سوف يلعنون الزمن الذي جعلهم أسرى لإحسان مسؤول أو عطفه. وقد يسأل البعض؛ أليس الأجدى بان نؤسس نظام رعاية اجتماعية يشمل جميع العراقيين مثلما هو معمول بالدول المتقدمة، ونتساءل معهم من خوّل النجيفي أو المالكي أو أي سياسي أن يوزع الأموال على الناس؟، ثم وهذا هو السؤال المحير؛ من هم الناس الذين شملهم عطف وإحسان رئاسة البرلمان؟ لسنوات طويلة كانت الدولة المتمثلة بصدام تمنح هباتها لمن تشاء وتقطعها عن قطاعات كبيرة من العراقيين، هذه النظرة الدونية للناس لم تتغير عمليا باستثناء الكلام المعسول عن التنمية وارتفاع مستوى المعيشة والمستقبل الزاهر. لكن الجديد والمثير خصوصا في مسألة تحسن المستوى المعيشي للعراقيين جميعا، إن الدولة وبجميع مؤسساتها تحولت إلى مستنقع للفساد الإداري والمالي، وبدلا من وضع خطة للتنمية توفر وظائف للعاطلين وتسعى إلى تحسين أحوال الناس فإنها قررت وفي حركة ثورية جبارة أن تمنح لنفسها حق توزيع "الصدقات" على العراقيين. الحكومة ومعها العديد من المسؤولين يصرون على أن عدد الفقراء انخفضوا لأن نسبة النمو العام زادت، ورئيس الوزراء لديه اقتناع راسخ بأن العراقيين يعيشون أزهى عصورهم، وهذا يعني أن الحياة صارت وردية وعلى الإعلام المغرض أن يتوقف عن أسطوانة الفقر والفقراء، أما مقربو الحكومة فمنذ زمن بعيد يرون أنه طالما أن السيارات الإيرانية والبضائع الصينية ملأت الشوارع والأرصفة، فمعنى ذلك أننا لا نختلف في شيء عن السويد والدنمارك.ولأن العشوائية هي المتحكم الرئيسي في كل حياتنا فيصعب أن نعثر على رقم حقيقي يبين المستوى المعيشي للعراقيين، وبالتالي فمعظم ما تنشره المؤسسات الحكومية هو مجرد اجتهادات، لكن هناك مؤشرات أخرى مثل تقارير المنظمات الدولية التي تؤكد على أن نسبة الفقر في العراق تجاوزت الثلاثين في المئة وان هناك الملايين من العاطلين، وهناك أرقام تقول إن نسبة تصل إلى أن أكثر من نصف عدد السكان ينطبق عليهم مصطلح فقير. ووزارة التخطيط نفسها تحدثت عن نسبة الفقراء من 20 إلى 23٪، لن نغرق أنفسنا في تحليل ومعرفة نسب الفقر وأعداد الفقراء، لكن السؤال الذي يراود الجميع هو: أين هي البنية الأساسية التي بشرتنا بها الحكومة منذ سنوات وحتى هذه اللحظة.الناس ملت من الاستماع لتصريحات المسؤولين الذين يعدون الناس بالرفاهية والازدهار ويناقشون باستفاضة ثمار التنمية وفوائد الزيادة في صادرات النفط، الحكومة صدعت رؤوس العراقيين بخطبها الرنانة وأنها ستعوضهم عن بؤس وفقر العهود الماضية، فأطلقت اليد لسراق المال العام وكانت النتيجة زيادة الفقر وظهور "الحيتان الكبيرة" التي التهمت كل شيء، ثم وعدت الناس بأن الاستثمار سيؤدي إلى سنوات من الرخاء والنتيجة معروفة للجميع.الناس اليوم لا تريد هبات النجيفي ومنح المالكي ولا مكارم تذكرهم بمكارم "القائد الضرورة"، الناس تريد أن تطمئن على مستقبل أبنائها لا على مستقبل أعضاء البرلمان والحكومة، تريد سكنا محترما وضمانا صحيا واجتماعيا ووظيفة مناسبة ومياها نظيفة، تريد أشياء يمكن المحاسبة عليها، الناس تريد أن تعرف أين ومتى وزع النجيفي "مكرمته" على الفقراء.
العمود الثـامـن: عيدية النجيفي
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 27 أغسطس, 2011: 10:20 م